الطريق
نشرت مجلة فورين بوليسي مقالاً قالت فيه أنه على الرغم من انخفاض مستوى العنف في سوريا اليوم مقارنة مع السنوات السابقة، إلا أن الأزمة تبقى بعيدة جداً عن الحل. ويلفت المقال إلى وجود ستة صراعات على الأقل تدور حتى اليوم وتقودها جهات داخلية وحكومات أجنبية تظهر جميعها علامات على التصعيد لا التهدئة.
ويشير كاتب المقال، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر، إلى أن سوريا باتت مدمَّرة، المجتمع فيها ممزق ولا يزال رئيس النظام السوري بشار الأسد منبوذاً دولياً. ولا يظهر اللاجئون السوريون في الدول المجاورة نية على العودة إلى بلدهم في ظل حكم الأسد، وشهد العام 2022، ارتفاع معدل الهجرة غير الشرعية من سوريا إلى أوروبا بنسبة 100 في المئة، ومن المحتمل أن يكون هذا نذير شؤم لما سيحل في سنة 2023.
واعتبر الكاتب أنه في ما عدا الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية، فإن سوريا أصبحت منسية بالنسبة لمعظمنا إلا أن احتمال حدوث تطورات كبيرة مزعزعة للاستقرار في سوريا هذه السنة كبير، بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التركية والصراعات الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة الإيرانية والأعمال العدائية الإقليمية المستمرة المرتبطة بإيران.
وشدد على أن 2023 ستكون سنة عدم استقرار، ومن المحتمل أن تغير قواعد اللعبة، وعلى الرغم من أن التطورات الفريدة في تركيا وروسيا وإيران من المرجح أن تساهم في إحداث تغييرات كبيرة، فإن الديناميكية الأكثر تأثيراً تتعلق بالاقتصاد وبالأخص الوضع داخل مناطق النظام.
وبيّن أن الاقتصاد السوري كان على طريق الانهيار المستمر منذ سنة 2019 بسبب الآثار المدمّرة لأزمة السيولة في لبنان، ثم بسبب جائحة كورونا وآثار الغزو الروسي لأوكرانيا، ومؤخراً بسبب التدهور الاقتصادي الحاد في إيران، وفق الكاتب.
وأوضح ليستر أنه مع دخول سنة 2023؛ خرج الانهيار الاقتصادي السوري بسرعة عن نطاق سيطرة النظام، فلا يزال أكثر من نصف البنية التحتية الأساسية في البلاد مدمرًا، ويعيش 90 بالمئة من السوريين حاليًا تحت خط الفقر، ويعتمد 70 بالمئة على المساعدات الخارجية.
وقال ليستر، إن السوريين "للأسف" ليسوا حديثي العهد بالمعاناة، لكن ما يحدث اليوم داخل مناطق النظام غير مسبوق ويأتي في الوقت الذي وصلت فيه أعمال العنف إلى أدنى مستوياتها، وهو الوضع الذي يولد ضغوطًا كبيرة، خاصة مع اختفاء الطبقة الوسطى في سوريا وتزايد غياب السوريين العاملين المهرة، وكما هو معتاد في اقتصادات الحرب، فإن المسلحين يستغلون الآن غيرهم، ويبحثون عن مصادر دخل إضافية.
وكشفت مصادر داخل مناطق سيطرة النظام للمجلة، عن تفشي الابتزاز "المنهجي" للشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى الأكبر من قبل الأجهزة الأمنية للنظام، مدفوعة بالجشع والفساد، بالإضافة إلى حاجة النظام الملحة لملء خزائنه الفارغة؛ حيث تم "الاحتفاظ بفدية" مقدمة من المئات من نخبة رجال الأعمال في النظام بهدوء؛ ويتم تهديدهم بالخراب وزعزعة أعمالهم منذ سنة 2020.
وبينما يدفع الانهيار الاقتصادي السوريين إلى حافة الهاوية، فإن النظام نفسه أصبح أكثر ثراء مما كان عليه في أي وقت مضى؛ حيث لا يزال النظام المعاقب دوليًا يتلقى عشرات الملايين من الدولارات من أموال الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من تقارير التحقيق المتكررة بالإضافة إلى تحول النظام إلى المخدرات كمصدر للدخل غير العادي.
ومع عدم ظهور أي علامات على التباطؤ في الانهيار الاقتصادي في سوريا، فإن الأشهر المقبلة مليئة بعناصر احتراق خطيرة للنظام؛ فليس لديه أوراق يلعب بها لتحسين الوضع، كما أن إيران وروسيا ليستا في وضع يُمكنهما من إنقاذها، وهو ما يفسر إلى حد ما حرص روسيا على استكشاف إعادة الارتباط مع تركيا، لأن تحقيق مثل هذا الارتباط سيغير قواعد اللعبة في تفكيك عزلة الأسد. ومع ذلك، على الرغم من كل الخطاب العام والرؤى التي تشير إلى التقارب، فلا يوجد سبب لتصور تطبيع جوهري للعلاقات.
بمعنى آخر، يبدو أن المسار الرهيب اليوم سيستمر، ومن المحتمل أن يتسارع أكثر، وفي حين أن العودة إلى الحرب المباشرة لا تزال غير مرجحة إلى حد كبير، فإن الوضع الراهن غير مستدام على الإطلاق وسيتغير لا محالة.