صحافة

اِحذروا هذا التاريخ: منتصف أيار

الأربعاء, 1 فبراير - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عمر قدور 


في تجمع لشباب حزبه أعلن أردوغان تقديم موعد الانتخابات، وقد كان مقرراً إجراؤها في 18 حزيران 2023، إلى 14 أيار. للموعد الجديد رمزية يعرفها الأتراك جيداً، فيوم 14 أيار 1950 جرت أول انتخابات تعددية في تركيا، وفاز بها الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس، على حساب حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي"، وهو حالياً العدو الأبرز لأردوغان. 

لا اعتراض لدى أحزاب المعارضة، ومنها حزب الشعب، على تقديم الانتخابات؛ اعتراضها هو على أحقية أردوغان بالترشح، حيث تحتسب ولايته الرئاسية الأولى قبل تعديل الدستور، ليصبح ترشحه الآن لولاية ثالثة، بينما يرى أردوغان أن الدستور الجديد عام 2018 يجبُّ ما قبله، ويحق له تالياً الترشح لولاية رئاسية ثانية أخيرة. من المرجح أن طعون المعارضة في شرعية ترشحه لن تنفع، وستُضطر قريباً لاختيار منافس له من بين صفوفها، ولا يُعرف ما إذا كان التأخر في ذلك سيكون لصالحها أو لصالح غريمها. 

إذاً، في منتصف أيار سيكون أردوغان مرشحاً في مواجهة خصم لا نعرفه بعد. في ما يخص السوريين تحديداً، نعلم أن هذا الخصم سيواجه أردوغان بمشروع إعادة اللاجئين إلى سوريا، خلال سنتين كما تلوّح شخصيات من المعارضة تربط ذلك بالانفتاح على بشار الأسد، وطي صفحة سياسات أردوغان التي وصلت يوماً حد المطالبة برحيله. 

في الحملة الانتخابية الشرسة، سيُبرز أردوغان خطته لإعادة توطين مليون لاجئ في مناطق من الشمال السوري واقعة تحت نفوذه، وكذلك خطوات الانفتاح على الأسد التي قد تتيح إعادة مئات الألوف إلى مناطق سيطرة الأخير. وسيُواجَه على الأرجح من خصومه بالقول أنه بذلك يستولي على مطالب المعارضة التي هي الأجدر بتنفيذها، وأن محاولة عودته إلى سياسة "صفر مشاكل" تُسجَّل لصاحب الأطروحة الأصلي أحمد دواود أوغلو الذي انتقل من حزب العدالة إلى صفوف المعارضة. 

ضمن المتوقع، لن يكون موقف أردوغان قوياً في الشأن السوري، ولا يُستبعد نيله الانتقادات حتى بسبب الجفاء مع واشنطن ما يجعل الأخيرة أقرب إلى الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. لذا، منذ الآن حتى منتصف أيار، قد يحتاج أردوغان إلى تسجيل هدف غير متوقع يقوّي من مكانته الانتخابية، وهو سيسعى إلى ذلك بقوة على كافة الجبهات المتاحة له. 

هناك مثلاً إمكانية تحقيق انتصار دبلوماسي ما في قضية انضمام السويد إلى حلف الناتو، بعدما طوى أردوغان اعتراضه على انضمام فنلندا، وهناك الحرب في أوكرانيا التي منحته دور الوسيط في موضوع تصدير الحبوب، بينما يطمح إلى وساطة سياسية كبرى تكرّسه كزعيم عالمي. إلا أن تحقيق اختراق في الجبهة الأوكرانية، أو لجهة إرغام السويد على تغيير معاملتها للأكراد أصعب بكثير من تحقيق إنجاز وتسويقه على الجبهة السورية. هذا ما تتحسب له واشنطن التي تحاول فرملة أردوغان، فيما تبقى من وقت حتى الانتخابات، وذلك بتقديم تطمينات له في الشمال السوري، إلا أن مشكلة الخطوات الأمريكية "إذا صحّت" هي في بطئها وتقليديتها، بينما يحتاج أردوغان خطوات دراماتيكية يكسب بها شعبية انتخابية، فوق أنه شخصياً يهوى هذا الصنف. 

تاريخ منتصف أيار، على أهمية تأثيره سوريّاً، لا نجد تعاطياً معه على المستوى المطلوب، رغم كونه تحذيراً قوياً جداً سواء بما قد يسبقه أو يليه. الإدارة الذاتية الكردية، بعدما ظهرت متخوفة من توغل عسكري تركي، يبدو أنها حصلت على تطمينات أمريكية وروسية. أما الشق العربي من المعارضة فكأنما لا خيار أمامه سوى التمسك بتطمينات تركية، ولو كانت أضعف من الرسائل التركية الموجَّهة للمعارضة نفسها بأن عليها قبول انفتاح أردوغان على الأسد. 

إذا كان الأمر مرتبطاً بالعسكرة تحديداً، من المفهوم أن الفصائل خاضعة تماماً لأجندات أنقرة، وكذلك هو حال المستوى السياسي المعيَّن من قبل الأخيرة. ما يلفت الانتباه أن السؤال عمّا يجب فعله غائب تماماً عن النقاش العام. بتواضع يتناسب مع الأحوال، نقصد بالغياب انعدام التفكير في مآل القضية السورية إذا اقتضت مصلحة أردوغان الانتخابية القيام بخطوة دراماتيكية تجاه الأسد، خطوة تؤسس حقاً لشراكة بينهما. 

قد يخسر أردوغان الانتخابات، وهذا احتمال آخر ينبغي التفكير، لأن البديل يتوعد سلفاً بعلاقات دافئة مع الأسد من أجل إعادة اللاجئين، وانطلاقاً من الاعتراض على سياسة أردوغان. ليست المسألة بالطبع أن يبحث الائتلاف، في حال فوز مرشح آخر، عن بلد بديل يستضيفه. المسألة هي في تغير المعطيات الفاعلة على الأرض، باستثناء الثبات الأمريكي الذي لا يمكن التكهن بمدى استمراره، والقلق الكردي الذي يعلو ويهبط لا يعطي إشارة إيجابية عنه. الأكراد لن يكونوا في منأى عن العاصفة في حال فوز مرشح آخر، لأن اتفاقه مع الأسد سيكون على حسابهم أيضاً، وشيطنة أردوغان كرديّاً مرتبطة إلى حد كبير بمنصبه، وتجربتهم مع الكماليين تؤكد ذلك. إن كان من ترقب كردي فهو ممزوج بالاستسلام والتسليم، لا على مستوى السلطة فحسب وإنما على المستوى العام حيث يغيب النقاش فيما قد يأت

نتحدث عن توقيت هو في عرف السياسة راهن جداً، فالشهور الثلاثة والنصف ليست مدة زمنية طويلة للتفكير في معطياتها ما لم تأتِ المفاجآت، بل ينبغي التفكير في احتمال حدوثها، في حال كانت هناك تفاهمات ستخرج إلى العلن أو التنفيذ في توقيت مناسب للمستفيد منها. هذا الراهن على أهميته لم يستفزّ حراكاً فكرياً لدى المعارضين، بمن فيهم الذين هم في الأصل يريدون التخلص من دور أردوغان ولا يكفّون عن هجائه وتبيان أثره السلبي على القضية السورية. وبهذه الإشارة لسنا نعيد ونكرر الشكوى الدائمة من استسلام السوريين وتسليم شؤونهم لقوى الخارج، فخارج الاعتيادي هناك مرحلة جديدة، ورغم أن لا شي محتَّم في الاستدارة التركية إلا أنه من الخطأ الظن أنها مجرد لعبة عابرة من مراوغات أردوغان. 

يدعم ذلك الاستسلام والتسليم وجود ارتياح خفي لدى بعض الأوساط إلى عدم اتفاق المعارضة التركية حتى الآن على مرشح يهدد حظوظ أردوغان في الفوز، والفكرة الدارجة أن الأخير بمجرد فوزه سيعود إلى سياسته المعهودة على الجبهة السورية. هذا التفكير لا يلحظ تغيرات أردوغان نفسه، ومنها مثلاً التغير على خلفية محاولة الانقلاب عليه، وهو تغير يرقى إلى أنه انقلب على نفسه. بعبارة أخرى، يجوز التساؤل عن سياسة أردوغان في ولايته المقبلة الأخيرة على غرار التساؤل عن سياسة أي فائز آخر غير معروف، ما يجعل منتصف أيار توقيتاً مفصلياً في كل الأحوال. يُقال في تركيا أن لهذه الانتخابات رمزية مختلفة، لمصادفتها مئوية تأسيس تركيا الحديثة، لكن من المؤكد أنها هذه المرة شأن سوري بامتياز لتأثيرها الشديد على سوريا التي لا يُعرف إن كانت قيد إعادة التأسيس أو الانحلال. 


المصدر: المدن

الوسوم :