فواز حداد
يحتمل التطبيع الكثير من الأخذ والرد، فلكلٍ أسبابه سواء في رفضه أو القبول به، طبعا من دون الأخذ برأي السوريين في الداخل والخارج، مع أنه مهما كانت الادعاءات، فلا أحد يمثلهم؛ لا النظام في الداخل ولا المعارضة في الخارج. وهي حالة غريبة في الأزمات الدولية، أن يكون مصير شعب خاضع لدول محتلة ولنظام متهالك أورث شعبه الدمار والخراب، كان وحده المسؤول عما استجره عليه من ويلات. فالشعب لا صوت له، وهي حالة لا تماثلها إلا ما أعقب الحربين العالميتين، فقد قرر الحلفاء مصير ألمانيا المهزومة، من دون العودة إلى الشعب الألماني، وهكذا في تقرير مصير سوريا، النظام انتصر والسوريون انهزموا، هكذا تنظر الدول الغربية والأنظمة العربية إلى الأزمة السورية.
قد يمضي التطبيع كما خطط له الروس، وقد لا يمضي كما يفكر أردوغان، فإيران تريد أن تعيده إلى أستانا، أي التدخل تحت ذريعة المطالبة بما يحفظ حقوقها، وهي تعديات على بلد يرفض أن تكون للملالي سلطة في تقرير مصيره. تجهد إيران على أن يعملوا حسابا لها في الغنائم، وهو ما لا يريده شركاؤها. وإذا أردنا تفهم ما يريده كل منهم، فهو أن يكون له الأمر في حل القضية السورية، ولن يكون إلا باستعمار البلد بموجب معاهدات، بدلا من استعمارها عنوة، على أمل اختلاق استعمار قانوني.
عموما الأسد غير مخير، سيختار ما يختارونه له، وليس لديه مانع إذا كان فيه حل لما يبقيه على منصبه، ولو كان فوق مستنقع. المشكلة أن الشركاء على خلاف، مهما كانوا متفقين. في المؤتمرات الصحفية يبدو هامش المناورة واسعا على لسان وزير الخارجية السوري المفوه، لكنه ضيق جدا، وكان واضحا من كمية الثرثرة المتبادلة بين الوزيرين السوري والإيراني. خلاصة الكلام ورد على لسان وزير الخارجية الإيراني بشكل مبطن، ماذا عن حصتنا؟ ولا تنازل عنها.
لن نتكلم في السياسة كثيرا، ليس لأنها لا تعنينا، بل لأنها لا تقدم سوى المراوغة مع الكثير من الدجل. ما الذي يطرح على الرأي العام المنكوب في الداخل السوري؟ لا شيء. وإذا كان السوريون لم يعبئوا بما يتردد حول الحراك الدبلوماسي النشط، فلأن أبصاره معلقة على ميزان الحرارة يراقب تدني درجاتها مع الصقيع القادم، وطوابير الخبز التي لا تلحق أن تنفض حتى تنتظم من جديد منذ الصباح الباكر إلى ما بعد منتصف الليل ليظفر المواطن بربطة خبز، عدا غول الأسعار في ارتفاع مستمر، وعدم استقرار الدولار، يراوح بين حدين لا يثبتان على حال.
بالنسبة للبلاد العربية، يبدو أنها مدعوة إلى الخيار، لكنها لم تفهمه إلا على أنه المسارعة إلى تأييد التطبيع والمشاركة فيه، أو الاستنكاف عنه بانتظار الموافقة الأميركية. بينما هي مخيرة بين تبييض النظام، أو الوقوف إلى جانب السوريين، وكلها تدور حول إنقاذ البلد من إيران، عسى يستعيد النظام رشده ويعود إلى الصف العربي!! مع أنهم يعرفون أنه لا يستطيعون اتخاذ قرار كهذا.
هل ما زال بوسع الحكومات العربية مساعدة سوريا بعدما تخلت عنها أكثر من مرة، وذلك عندما كان الحل العربي واردا، وما زال. لن تعارضه أميركا ولا روسيا، وربما إسرائيل لأنه سيبعد إيران عن سوريا، ويضعفها في لبنان. طبعا ستعارضه إيران، وتعمل على إفشاله. وكي لا نستطرد ونحلم، ليس لأنه صعب، بل مستحيل، إنه أشبه بالعمل على الوحدة العربية الشاملة. عندما طرح التدخل العربي من قبل، ولو على خجل، كان الانقسام واضحا، مع أنه كان الحل المثالي لإنقاذ سوريا وإبعاد إيران والتدخلات الدولية عنها، لكن ما العمل إذا كان العرب اعتادوا على العمل ضد مصالحهم، فأخطؤوا الاختيار والحل، وأتقنوا الخلافات المستعصية، وأوكلوا أمور سياساتهم للأميركان والروس، وإذا استشاروا في أمورهم، فإيران وإسرائيل وأوروبا، ولا ينظرون إلى ما يجمعهم معا، بالاستناد إلى مصالحهم المشتركة.
بالعودة إلى التصريحات والمقابلات والمحادثات الثنائية والثلاثية وما يزيد عنها، وإزاحة عنها الكم الهائل من الثرثرة، واستنطقنا ما يدور في الكواليس، فلا عودة للكهرباء، إذ من أين تعود؟ فالكهرباء ومعها القمح والنفط والخبز والغاز وارتفاع الدولار وانخفاضه، أصبحت أوراقا للمساومة بأيد الدول والحكومات ابتداء بالنظام مرورا يإيران وتركيا وروسيا وأميركا، لإشغال السوريين بمصائب تتراكم من يوم لآخر. أما عودة اللاجئين فتبدو أشبه بالوهم، ولا تزيد على حلم، إذ إلى أين يعودون، إلى مجرد خرائب وحواجز الفرقة الرابعة وأقبية المخابرات؟ ثم أن النظام لا يريدهم، ولن يأخذهم على عاتقه، أما إيران فسعت وما زالت تسعى لتحل محلهم شعوبا أخرى من ميليشيات تستوطن سوريا، مهمتها تلغيم البلد بأقليات متعادية ومتنافرة، بذريعة تحقيق التوازن المستحيل لمواطنة طائفية مرجعيتها إيران الملالي.
التطبيع مستحيل، إما أن يكون مع السوريين، أو لا يكون. هذا ما يجب أن تعرفه الأنظمة العربية ومعها الدول والحكومات الغربية.
في هذا العماء، لا يجوز سؤال الوريث الحالي عن الوضع الحالي، فهو عاجز إلا عن مواصلة نهب البلد، وإنتاج مستحضر واحد هو الكبتاغون، وتهديد العالم به. السؤال موجه إلى الرئيس الخالد، الساكن في الأبدية، ما الذي فعلته بسوريا؟
المصدر: تلفزيون سوريا