علي سفر
تفاصيل خبرية يوردها إعلام النظام، بات المراقب يشعر بأنها عادية وغير ملفتة، مثل إحياء اتحاد الكتاب العرب التابع للنظام لمهرجان شعري، بمناسبة الذكرى الثالثة لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في الحرس الثوري، الذي أودت به عملية أميركية خاصة في مطار بغداد.
وأيضاً لقاء وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة الأسد، محمد سيف الدين قبل يومين، مع رئيس لجنة إمداد الإمام الخميني مرتضى بختياري.
لكن، طيلة الأسبوعين الماضيين، كان ثمة إحساس لدى كثير من السوريين، بأن العلاقة مع الإيرانيين، لم تعد كما كانت، وأن حلاوة اللسان في التصريحات الإعلامية، يتغير طعمها، حين يتعلق الأمر بمصالح طهران، التي تخوض معارك عبر وكلائها المحليين، على جبهات بلدان عربية عدة، لم تُنسها أبداً ودائع الأسد التي وعدها بها، منذ تدخلها لصالحه عسكرياً وسياسياً، عقب اندلاع الثورة السلمية، وتحولها اللاحق إلى طورها المسلح.
في السياق، جرى حديث غير مسبوق في الأوساط الإعلامية، شرقاً وغرباً، عن أن النفط الذي كان يتلقاه النظام بسعر متهاود من حليفته، بات يخضع لآلية تسعير جديدة، ستزيد العبء المالي على خزينة الدولة السورية، شبه الفارغة.
لكن مسؤولاً إيرانياً، وعبر تصريح، نقلته صحيفة الوطن المقربة من النظام، نفى ما سبق، وأكد أن الأمور مستمرة على ما هي عليه! وقد ترافق هذا التصريح مع وصول ناقلتي نفط إلى ميناء بانياس، بحمولة تقدر بمليوني برميل!
طبعاً، لن يستطيع أحد نفي حيثيات قصة رفع سعر النفط، لأن التصريح الذي هدَّأ من روع المراهنين على دعم طهران النفطي، إنما جاء بعد زيارة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق، ولم يأت قبلها.
فإذا كان الأمر مجرد خبر ملفق، فإن من يطلق مثل هذه الشائعات، لا يخترعها من عقله، وهي ليست خواطر متواردة، بل هي جزء من سلسلة خطوات، تستطيع طهران عبرها لجم بشار الأسد، الذي ظهر في الفترة ذاتها، مقبلاً على تنفيذ إملاءات موسكو، لجهة الانفتاح على التطبيع مع تركيا.
الأمر غير العادي في كل ما جرى خلال الأيام الماضية، أن أقل التحليلات بذلاً للجهد في تحري ما يجري، خلف جدران المكاتب الدبلوماسية، كان يقول التفصيل ذاته: إيران لن تسمح للأسد أن يتبع موسكو صوب تركيا، دون أن تضع نفسها في الموكب ذاته، ولهذا كان من المفهوم أن يتركز حديث الرئيس الإيراني الهاتفي مع نظيره الروسي قبل أيام على الشأن السوري، وأن نسمع في المحصلة وبعد زيارة عبد اللهيان كبير مستشاريه علي أصغر خاجي، يقول: إن القضايا السورية "لا يمكن حلها بسهولة من دون مشاركة إيران".
ما يريده نظام الملالي السرطاني في شأن التسوية في سوريا، طالما أن عربتها تسير وفق إيقاع أستانا، سيتحقق، لا لحكمته في التعاطي مع الأزمة السورية، بل لأنه استطاع طيلة السنوات السابقة أن يرسخ طريقته في ابتزاز النظام، كسياسةٍ غير قابلة للتغيير، مع إدراك دهاقتنه، بالطبيعة المافيوزية لنظام دمشق، وبما يسمح لهم السيطرة على قطاعات أساسية في بنية جيش النظام، كالحرس الجمهوري وفرقته الرابعة على وجه الخصوص، إضافة إلى تقطيعهم مناطق سيطرة الأسد إلى حصص يعمل فيها وكلاؤهم المحليون، وبما يعطل أي محاولة لاستعادة النظام السيطرة، دون أن ينال موافقتهم، دون أن يُنسى في السياق، الحضور الراسخ لعناصر حزب الله، في دمشق وما حولها، ومناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية.
لكن، ماذا عن استشراء هذا السرطان في الجسد السوري؟ ومن يهتم فعلياً لمعالجة سوريا منه؟
الدولة العربية المعنية باستعادة سوريا إلى عالمها العربي، ما تزال تراهن حتى اللحظة على إمكانية حدوث ذلك، فترسل للأسد مراسيلها، فيستقبلهم بابتسامة يهوذا، ويودعهم بمثلها، ثم يزيد في تسليم الإيرانيين قطاعات إضافية!
ضمن الوضع الراهن، لا يبدو أن تركيا ترى ما يزعجها في الوجود الإيراني، وما يفعله، فاستراتيجيتها الحالية مبنية على ضرورة أن تختلف الأوضاع عما سبق، وبما يسمح بعودة اللاجئين السوريين من أراضيها إلى أي بقعة في بلدهم!
أما الولايات المتحدة، فهي تبدو أبعد ما تكون عن تقديم أي علاج، فهي تعرف طبيعة المرض، ولا ترى ضرراً من ديمومته، وهذا هو تفسير صمتها عن تمدد الحرس الثوري في أربعة بلدان عربية.
أما إسرائيل التي عاد نتنياهو ليحكمها، فإنها تعرف أن خطر إيران كبير في المنطقة، ولكنها لا تهتم بالمسألة إلا من جهة محددة، هي اقتراب عناصر الملالي من حدود سيطرتها، إضافة إلى إعادة إبراز خطورة البرنامج النووي، الذي بات عقدة غير قابلة للحل، على المستوى الدولي، ما سيؤدي في النهاية، في حال بقي الحال على ما هو عليه، إلى اعتماد الخيار العسكري لإنهائه وتدميره.
الأمر لا يهم تل أبيب، وهي لا تعمل لمعالجة هذا المستوى من الإعياء السوري، بل إنها تتركه، ليكمل على ما بقي في الدولة العدوة.
الأسد ابن المرض العضال، يلعب على حبال الجميع، فيكذب هنا وهناك، ثم يعيد الكَرَّة، فهو يعرف أن حلفاءه يحتاجون له، كما يحتاج هو لهم، وهم في المحصلة يمارسون ضغوطاً لا تؤثر على نظامه، بل على من يحكمهم، وهو يخاطب الإيرانيين بما يحبون أن يسمعوا، كما يفعل مع غيرهم، لكنه في النهاية، وحين يُضطر، لن يستنكف عن بيع سوريا التي نهشتها الأمراض، طالما أن المقابل هو بقاؤه بكامل الصلاحيات، حارساً على الأشلاء.
المصدر: تلفزيون سوريا