صحافة

سوريا: ثوابت الثورة متغيرات أنقرة

الأحد, 8 يناير - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

سمير صالحة 


شاهدنا مرة جديدة خلال أسبوعين، موجات الاحتجاج والتظاهرات الرافضة للتواصل الحاصل بين أنقرة والنظام مع دمشق بوساطة روسية. ترصد القيادات التركية في الحكم والمعارضة حتما ما يجري ويدور في المحرر السوري بعد الإعلان عن رغبة أنقرة في الحوار مع بشار الأسد بهدف بحث إمكانية التفاهم حول خريطة طريق مشتركة تفعل الحلحلة في ملفات أمنية وسياسية مرتبطة بتطورات المشهد السوري. 

السوريون في الشمال السوري تحديدا لا يدعمون الخطوة التركية لكنهم يعتبرونها شأنا تركيا. مطلبهم هو أن تعرف أنقرة أن هذا النوع من الأساليب والسياسات لا ينفع مع النظام السوري، لأنه سيراوغ ويتملص من أي تعهد أو اتفاقية يتم الوصول إليها كما فعل أكثر من مرة. مطلبهم الثاني هو أن لا تلزمهم القيادات التركية بهذا المسار الجديد، إذا ما أصرت عليه هي لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية، مع نظام له كل هذه السوابق في استهداف شعبه بتوثيق أممي ودولي. بإيجاز أكثر قوى المعارضة السورية التي ائتمنت القيادات التركية على سلة بيضها منذ عقد، لا تريد أن تدفع ثمن أي تقارب بين أنقرة والنظام في دمشق أو تكون هي الضحية، وهذا من حقها لا بل هو واجبها إذا ما شعرت أن مصالحها هي باتجاه آخر. 

حتى ولو كانت تركيا تريد إنقاذ سياستها السورية وليس إنقاذ بشار الأسد، فهي ستصغي لا محالة إلى صوت الشارع السوري في الشمال، بسبب ما قد يقدمه التباعد بين الطرفين من فرص لصالح أكثر من لاعب محلي وإقليمي.

صحيح أن ساحة اللعب والمناورة في الملف السوري تضيق وتنحصر يوما بعد يوم بالنسبة لأنقرة ولشريكها السوري. لكنه بقدر ما هناك متغيرات في سياسة تركيا السورية ومن حق أنقرة أن تدافع عنها، هناك ثوابت أيضا في مواقف المعارضة السورية من الواجب قبولها واحترامها وضرورة ترك القرار بشأنها لقياداتها ومنصاتها ومؤسساتها. 

أفادت صحيفة مقربة من حزب العدالة والتنمية، بأن الحكومة التركية والنظام السوري اتفقا على تشكيل لجان أمنية وعسكرية مشتركة بهدف تسريع عملية التطبيع بين البلدين. عبارات التطبيع أو المصالحة ترددها قوى المعارضة السورية أكثر. هي لم ترد على لسان المسؤولين الأتراك حتى ولو كان الإعلام المقرب من الحزب الحاكم بدأ يتداولها في كتاباته وتعليقاته. 

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، حدد أولويات تركيا في سوريا باتجاه آخر: القضاء على التهديد المتمثل بحزب العمال الكردستاني الإرهابي، وتهيئة الأرضية اللازمة من قبل سوريا لضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين في إطار معايير الأمم المتحدة، وتقديم الضمانات اللازمة بهذا الخصوص. "لذلك يتعين علينا التنسيق مع قوات النظام وإيران وروسيا على الأرض". لكن ما يستوقف في رسائل قالن هو حديثه عن أن بلاده لم تخذل المعارضة السورية إطلاقاً حتى اليوم. "المقاربة الرئيسية لتركيا تجاه الملف السوري، هي مواصلة المسار الدستوري والمفاوضات السياسية في ضوء قرار الأمم المتحدة 2254". 

علينا أن لا ننسى هنا أن القرار الأممي المذكور الذي يضع الأطر العامة لأسس الحل في الأزمة السورية، والذي صدر في كانون الأول عام 2015 هو من صناعة أميركا أيضا. وأنه ولد من رحم بيان جنيف 1 في حزيران 2012 بإقتراح الأمين العام الأسبق كوفي أنان وبتوافق أميركي روسي ليشكل خريطة تسوية للصراع في سوريا. فكيف ستتمسك موسكو وأنقرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات واستبعاد واشنطن وبقية العواصم التي ساهمت في إنتاجها وإخراجها؟ 

تفضل موسكو بقاء "العدالة والتنمية" على رأس الحكم في تركيا لحقبة جديدة بعكس العديد من الدول الغربية وأميركا تحديدا. وعلى بشار الأسد أن يلتزم بالقرارات الروسية والتفاهمات المعقودة مع أنقرة. المشكلة بالنسبة للنظام الضعيف والهزيل هي كيف سيجلس أمام طاولة ثلاثية جديدة دون أن تكون طهران إلى جانبه وهو "يتفاوض" مع القوتين الروسية والتركية في مسار ومستقبل الملف السوري؟ وما الذي بمقدور بشار الأسد أن يقدمه للشعب السوري إذا ما نجح في إقناع أنقرة بفتح الأبواب أمام التواصل معه من جديد؟ 

لقاء أردوغان بالأسد مرتبط كما تردد القيادات التركية على كافة المستويات، بطريقة تفعيل وشروط ومتطلبات التقدم المرتقب في المحادثات. عكس ذلك يستدعي الإجابة على سؤال ما الذي سيجنيه حزب العدالة من تزويد بشار الأسد بأنبوبة الأوكسجين في غرفة العناية الإيرانية الفائقة؟ لا يمكن أن تكون الصفقة التركية الروسية إنقاذ الأسد مقابل منح تركيا ما تريده في الملف السوري.

تدرك أنقرة استحالة إعطاء النظام أبسط ما يريده مثل سحب شعارات وأعلام المعارضة السورية من يدها أو إغلاق مؤسساتها الإعلامية في إسطنبول أو مطالبة حلفائها في الملف السوري ومراجعة سياساتهم ليكونوا جزءا من التحول المحتمل في مسار ملف الأزمة السورية. لكن مراكز القرار في صفوف المعارضة السورية التي لم تصغ لتحذيرات ونداءات كثيرة حول أن الملف السوري يسير باتجاه جديد، ملزمة أيضا بتفعيل استراجية تحرك سياسي ودبلوماسي بأكثر من اتجاه، بدل التريث مرة أخرى ليفرض عليها طبخة جاهزة لن يكون بمقدورها الاعتراض على طريقة تحضيرها أو مواصفاتها أو طعمها، حتى ولو كان الحوار المرتقب مجرد تحضير لأجواء ومسار إقليمي ودولي جديد في سوريا. 

كشفت مصادر مقربة من ميليشيا “قسد” للإعلام الروسي عن قيام القوات الأميركية بتزويد مسلحيها بعشرات الصواريخ من نوع “تاو” وعدد من مضادات الطائرات المحمولة على الكتف. وأشارت المصادر إلى أن القسم الأكبر من هذه الصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات، تم نقلها إلى مناطق منبج وعين العرب وتل رفعت بريف حلب الشمالي الشرقي. 

احتمال أن تكون هذه الأنباء مفبركة لترسيخ التباعد بين تركيا وأميركا خصوصا أن الإعلام الروسي هو أول من تحدث عنها، لكنها إذا ما صحت فهذا يعني أن مهمة هذه الأسلحة هي أبعد من هدف محاربة مصفحات وآليات داعش وسلاحه الجوي الذي لا نعرف أين ومتى سيظهر في شرق الفرات! واشنطن تدعو القيادات التركية لعدم المصالحة أو التطبيع مع النظام السوري وتطالب بأنقرة أن تتحمل أكثر من ذلك، لكنها في الوقت نفسه تبني شبكة علاقات ونفوذ في سوريا تتعارض كليا مع ما تقوله وتريده تركيا. 

الفزاعة هي قطع من الخشب وثوب وقبعة صنعت على شكل إنسان، اعتاد أصحاب المزارع والحقول على نشرها في أراضيهم؛ لكي تخيف الطيور فلا تقترب من المحصول. تقول الرواية.. "يا جدي لقد اكتشفت الطيور سر لعبتكم هذه لتكراركم لها. نحن في زمن العولمة والإنترنت، وطيور اليوم هي غير طيور ما قبل قرن". إذا كانت الفزاعات لم تعد تخيف الطيور فلماذا يطلب إلينا نحن البشر أن نخافها وهي من صنيعة أيدينا؟ 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :