إسماعيل جمال
كشف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الخميس، عن لقاء مقبل سيعقد بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في إطار مسار ثلاثي يتوقع أن يمهد لعقد لقاء قمة ثلاثي يجمع اردوغان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتوقع أن يرعى اللقاء خلال الأسابيع المقبلة في العاصمة موسكو.
وقال في كلمة خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية في أنقرة: «تركيا وروسيا وسوريا أطلقت مساراً سيتم بموجبه عقد لقاء بين وزراء الخارجية (للبلدان الثلاثة)، ولاحقاً سنجتمع نحن الزعماء وفق التطورات»، في تأكيد يأتي عقب أيام من اللقاء الذي جمع وزراء دفاع البلدان الثلاثة في موسكو بحضور رؤساء أجهزة المخابرات وهو ما اعتبر بمثابة أول لقاء سياسي رفيع بين أنقرة ودمشق منذ 11 عاماً.
وعلى الرغم من أن كثيراً من المراقبين والمحللين في تركيا والعالم يضعون خطوات اردوغان مع النظام السوري في سياق «تحقيق مكاسب انتخابية» قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي توصيف بـ»الحاسمة والتاريخية»، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى صعوبة وحتى استحالة حصول اختراق حقيقي وكبير قبيل موعد الانتخابات المقررة منتصف يونيو/حزيران المقبل والتي بات من شبه المؤكد تقديمها لشهر أبريل/نيسان المقبل.
فمبدأ إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق لا يهم الناخب التركي كثيراً، وعلى العكس يمكن أن يؤدي مسار التطبيع -قبيل تحقيق خطوات يلمسها الناخب التركي- إلى نتائج عكسية تتمثل في غضب شريحة من المحافظين من التقارب مع النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبيه، واستغلال المعارضة ذلك للتأكيد على أن اردوغان «يقوم متأخراً بالخطوات التي طالبوا فيها منذ سنوات»، وهو ما يمكن أن يولد نتائج سلبية في مسار الانتخابات.
فالنتائج الملموسة التي يمكن أن تساعد الرئيس التركي في تحقيق مكاسب انتخابية من مسار التطبيع تتمثل بدرجة أساسية في تحقيق اختراق كبير في ملف اللاجئين السوريين، أي التوصل إلى صيغة تتيح عودة شريحة مهمة من أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا، حيث تلقي شريحة واسعة من الناخبين الأتراك باللوم على اردوغان في ملف اللاجئين بسبب اتباعه «سياسة الباب المفتوح»، فيما تبني أغلب الأحزاب التركية المعارضة دعايتها الانتخابية على وعود بإعادة اللاجئين السوريين وغيرهم إلى بلادهم في حال وصولها إلى السلطة.
وعملياً، من شبه المستحيل تحقيق نتائج على الأرض في ملف اللاجئين الذي سيحتاج إلى سنوات من العمل من قبيل إنهاء تواجد المجموعات المسلحة واستقرار الأوضاع الأمنية والعسكرية والتوصل إلى حل سياسي مرضٍ لكافة الأطراف وتهيئة الظروف السياسية والأمنية والحياتية التي يمكن أن تقنع ولو شريحة من اللاجئين السوريين بالعودة من تركيا إلى بلادهم.
وفي سياق متصل، يهدف اردوغان من خلال التقارب مع النظام السوري إلى توحيد الجهود للقضاء على خطر إقامة كيان انفصالي كردي شمال وشرقي سوريا، وهو مسار يحتاج إلى أشهر طويلة من العمل بالحد الأدنى لكي تظهر له نتائج ملموسة على الأرض.
والنجاح في المسار السابق المتمثل في إنهاء خطر الجماعات المسلحة المختلفة وإنهاء خطر «الكيان الانفصالي» هو الخيار الوحيد الذي سيتيح للرئيس التركي اتخاذ قرار بسحب القوات التركية من سوريا باعتبار أنها أتمت مهمتها «بنجاح» وهو أمر يحتاج إلى فترة طويلة من العمل ولا يمكن أن تخرج نتائجه قبيل الانتخابات أو خلال أشهر قليلة.
يضاف إلى كافة الصعوبات السابقة، التعقيدات الأكبر المتمثلة في إمكانية تحقيق اختراق في المسار السياسي بين النظام والمعارضة السورية وهي السيناريو الوحيد الذي يمكن من خلاله اتخاذ قرارات استراتيجية من قبيل سحب القوات التركية المنتشرة شمالي سوريا والبدء بإعادة اللاجئين بأعداد كبيرة والحديث عن نجاح العمليات العسكرية بإنهاء خطر الجماعات المسلحة و»الكيان الانفصالي» وتأمين الحدود. وعقب لقاء وزراء الدفاع ومسؤولي استخبارات البلدان الثلاثة في موسكو، يتوقع أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة لقاء على مستوى وزراء الخارجية يعقبه بأسابيع أيضاً لقاء بين اردوغان وبوتين والأسد، وهو اللقاء الذي سيحمل رسائل رمزية تتمثل في تأكيد اردوغان على أنه هو القادر على إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والاستمرار في سياسة «ًصفر مشاكل» وباختصار توجيه رسالة للشعب بأنه لا داعي لانتخاب المعارضة إذا كان الهدف وعودها بلقاء الأسد وإعادة اللاجئين طالما أنه هو – اردوغان – قد بدأ بالفعل في هذا المسار.
وفي ظل المعطيات السابقة، فإن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق يمكن أن يمنح اردوغان بعض الرسائل الانتخابية والوعود والتطمينات وسحب بعض الأوراق من أيدي المعارضة ولكنه لن يمنحه أي خطوات حقيقية على الأرض في ملف المسار السياسي والعسكري واللاجئين وغيرها قبيل موعد الانتخابات «الحاسمة».
المصدر: القدس العربي