أحمد مظهر سعدو
يتساءل الكثير من المتابعين عن مستقبل السوريين بعد الخطوات التركية الملموسة في التطبيع مع النظام السوري، وخاصة ما جرى من لقاء نوعي في موسكو بتاريخ 27 من كانون الأول/ ديسمبر 2022 والذي جمع وزراء الدفاع في كل من روسيا وتركيا والنظام السوري، وهو ما دفع بالعديد من الأسئلة لتخرج إلى حيز الواقع، وكلها يتعلق بمصائر السوريين الذين خرجوا إلى الشارع والفضاء الرحب في مواجهة قوة النظام الأمنية العسكرية، في أواسط آذار/ مارس 2011 لإنتاج الحرية والكرامة التي يبتغونها، وإقامة دولة الحق والعدل والقانون المفتقدة جميعها أثناء حكم حافظ الأسد ثم وريثه بشار الأسد، حيث حول النظام الأسدي سوريا إلى مقتلة مستمرة، لم يتوان فيها عن استخدام كل أنواع الأسلحة الحديثة التي استلمها من الاتحاد الروسي، أو تلك القديمة المخزنة (وهمًا) لتحرير فلسطين والجولان، لكنها كانت بالواقع لقمع السوريين وتعميم الفساد والإفساد واستمرار الدور الوظيفي الذي كان وما يزال نظام الفاشيست الأسدي الطغياني يقوم به.
في موسكو كان اللقاء، على أبواب المصالحة المفترضة، وكانت الرعاية الروسية ضمن مصالح اقتصادية وجيوسسياسية روسية، أتت بعد وإبان حرب روسية ماحقة في أوكرانيا، تُركت فيها روسيا لتزداد غرقًا في الوحل الأوكراني المدعوم غربيًا، وليكون درسًا لبوتين قد لايستطيع تكراره ثانية في أية بقعة من العالم. كما كانت المصلحة التركية في ذاك اللقاء تهيئة نحو لقاءات قادمة ومتوقعة على مستوى أعلى، قد تفضي إلى مزيد من تحقيق النسبة الشعبية الأعلى في صندوق انتخابي تركي بات قريبًا.
لكن السؤال المطروح أيضًا هل النظام السوري المأزوم اقتصاديًا وأمنيًا ومعيشيًا، والمنفلت عقاله على كل الصعد، والذي يقف على حافة الانهيار العام والتام، هل يمكنه أن يفيد الأتراك بشيء أو يعطي أي قرارات جدية، يمكن الاستفادة منها صعودًا تجاريًا أو اقتصاديًا يدعم الليرة التركية المتراجعة، والتي فقدت الكثير من قيمتها، كما نسبة التضخم الكبرى التي باتت مقلقة للسكان جميعًا. ناهيك عن تعثر الروس وعدم قدرتهم على إنجاز أي حل شمال شرقي سوريا، يمكن أن يفيد الأمن القومي التركي، ويقلل من إمكانيات وتبعات أي عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا لكبح جماح الإرهاب، وإنهاء الخطر الأمني القسدي ضد الداخل التركي، فالروس عاجزون عن إعطاء الأمن للأتراك، كذلك حال النظام السوري المتعثر، والذي ما زال يعثر في الأكم وفي الوهد، فالقرار شمال شرق ليس للنظام السوري، ولا للروس، بل للإدارة الأميركية التي لايبدو أنها مرتاحة أو موافقة عل الانفتاح التطبيعي التركي (برعاية روسية) على النظام السوري، حيث ما زالت ترى فيه ذاك النظام المجرم والإرهابي والكبتاغوني، الذي يهدد أمن، ليس السوريين فحسب، بل كذلك كل دول المنطقة والعالم، بعد أن أضحى ملك الكبتاغون عالميًا، وبعد صدور القانون الأميركي الذي يحارب هذا التمدد الكبتاغوني، وقد تم تحميل بشار الأسد شخصيًا تبعات ذلك.
لن يستطيع نظام الأسد، وليس بقدرته، منح الأتراك أي ورقة انتخابية، ولايمكنه إنجاز أي اتفاقات جدية، وهو لا يستطيع إقرارها ولا تنفيذها، بعد أن فقد السيطرة كليًا على كل مفاصل الواقع السوري، وبات في مهبّ الريح، وهو أيضاً يتبع نظام الملالي في طهران، الذي قد لا تتماشى مصالحه مع المصلحة التركية، وهو من كان يريد تأجيل أية توافقات مع تركيا إلى مابعد حزيران/ يونيو القادم أي إلى مابعد الانتخابات، لولا الضغط الروسي العالي على قراراته هذه، حيث تمَّ جرّه إلى موسكو ليكون هناك، في لقاءات لم تكن ممكنة الحدوث قبل سنوات أو حتى قبل أشهر.
وتبقى المسألة الأهم أين السوريون من كل ذلك؟ وهل يمكن أن تُفرض عليهم أية تسوية مع النظام السوري، قد لا يريدونها؟ ومن يملك القرار الحقيقي بالنسبة للمعارضة السورية في كل ألوان الطيف السياسي والعسكري؟ وهل تستطيع بدائل المعارضة الإمساك بزمام الأمور وإنتاج جسم للمعارضة أكثر قوة وتماسكًا، وأمضى مبدئيًا وبنيويًا في مواجهة النظام الأسدي، ورفض أية ضغوط إقليمية؟
في البدء لابد من القول إنّ الدولة التركية والشعب التركي ومنذ البداية وقفوا إلى جانب السوريين، واستُقبل الشعب السوري أحسن استقبال، قبل أن تدفع المعارضة التركية بالمزاج الشعبي التركي إلى غير هذا المعطى، ضمن حربها السياسية على الحكومة/ العدالة والتنمية، وتؤدي إلى إفشاء المزيد من العنصرية والتنمر، ومع ذلك فلا أعتقد أن الدولة التركية ولا حكومة العدالة والتنمية سوف تأخذ قرارات نيابة عن السوريين، أو ممارسة الضغط على القوى المعارضة، وزج السوريين في متاهات قد لاتحمد عقباها، حيث يدرك الأتراك، وكل من يعرف طبيعة النظام السوري، ألا ثقة به، ولا أمان على حيوات السوريين، إذا ما أُجبروا على العودة إلى وطنهم، وهذا يعرفه القاصي والداني، لكن أين المعارضة السورية من كل ذلك؟ وهي التي سبق ووضعت جل بيضها في سلة الخارج، حتى لم يعد لديها أي بيض أو ورقة سياسية تفاوضية رابحة، وراحوا يتراكضون وراء سراب اللجنة الدستورية، أو أوهام أستانا، ولم يجنوا من ذلك أي فعل إيجابي عبر نظام الأسد وما يزال مئات آلاف السوريين في المعتقلات، ينتظرون الفرج دون أن يأتي، علاوة على تشظي الفصائل في الشمال السوري، وحالات الاقتتال الداخلي البائسة، والتي شغلتهم كلية عن كل ما تجمعوا من أجله، وهو قتال نظام القهر الأسدي.
في ظل وجود معارضة لا حول لها ولا قوة، وهي مابرحت منشغلة في خلافاتها البينية، وتوزيع المكاسب والمناصب، وفي ظل استمرار هذه المعارضة في فقدان الحاضنة الشعبية التي كانت ملتفة حولها فيما سبق، وعجزها الكلي عن الفعل والتحرك، لمنع ارتمائها في أحضان النظام أو روسيا أو إيران، تصبح الأجواء ملبدة بالغيوم، وقابلة للمزيد من النكوص والتراجعات، فيما لو بقيت أوضاع المعارضة البديلة متذررة وغير قادرة على إعادة إنتاج البدائل، لكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال أيضًا، إن الدولة التركية عبر سياساتها البراغماتية واضحة المعالم، ما زالت تدرك أن النظام السوري غير قادر على إعطائها أي وعد جدي يعيد اللاجئين السوريين، أو يمكن أن يسمح لخطوط الترانزيت بالعمل نحو دول الخليج، وما زالت إيران معرقلة لأية تسويات قد لا تحافظ كليًا على وجود النظام السوري، لكن من المؤكد كذلك أن مابعد موسكو ليس كما قبلها، وأن قادم الأيام لن ينتج تسوية مع النظام السوري، الذي لايؤمن إلا بالحل العسكري الأمني، وأن الروس غير قادرين من دون التوافق مع الأميركان (الصعب حاليًا) أن يمنحوا الأتراك أية اتفاقات في شمال شرقي سوريا، لأن المصلحة والقرار للأميركان، وليس للروس المتهالكين بعد أوكرانيا، ويبقى الدور التركي الكبير في المنطقة وخاصة في أوكرانيا، أو بين روسيا والغرب، هو المعول عليه كي تتمسك به أميركا وروسيا على حد سواء، باتجاه أية عملية تحريك حقيقية نحو الولوج في قنوات تسوية جدية تتوافق مع القرارات الأممية ذات الصلة.
المصدر: تلفزيون سوريا