صحافة

لقاء موسكو الثلاثي..بداية التسوية السورية؟

السبت, 31 ديسمبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

بسام مقداد 


حين لمّح أردوغان إلى موافقته على لقاء نظيره السوري، نزولاً عند رغبة موسكو، إقترح ما يشبه خطة طريق لذلك تقتضي بإجتماع مسؤولي المخابرات في البلدين، يليه إجتماع  الدفاع ثم وزيري الخارجية ليأتي بعدها لقاء رئيسي البلدين، على أن تكون كل الإجتماعات بحضور الوسيط الروسي. بعد اللقاء الثلاثي الأخير، ووفقاً لما ترسمه الخطة، أعلن وزير الخارجية التركي عن الإعداد للقاء نظيره الروسي في السنة المقبلة، وقال بأن  لقاء اارئيسين التركي والسوري الذي سيكون المحطة الأخيرة في عملية التطبيع التركي مع النظام السوري، لا يزال بعيداً. ولم ينس الوزير التركي الإجابة عن السؤال الرئيسي الذي يخيم على أجواء عملية التطبيع والمتعلق بمصير المعارضة السورية التي وضعت كل بيضها تقريباً في السلة التركية، فقال بأن التطبيع لن يكون على حسابها، وأن مصير مناطق تواجد القوات التركية في سوريا سيتم تسليمها لدمشق في ظل توافر الظروف السياسية المناسبة لذلك. 


إثر اللقاء الثلاثي في موسكو الذي ضم وزراء دفاع الدول الثلاث ومسؤولي المخابرات فيها، قال الوزير التركي بأن أنقرة تحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن محاربة الإرهاب والدفاع عن أمن تركيا ومسألة المهجرين السوريين هي المسائل الأساسية التي ناقشها الإجتماع، وأن حل الأزمة السورية لن يكون إلا وفق مواد قرار مجلس الأمن 2254. وتم الإتفاق على دورية اللقاءات بصيغتها الثلاثية على مختلف المستويات، وصولا إلى تتويجها بلقاء أردوغان، الأسد وبوتين الذي لا يزال بعيداً. 

لاشك أن الإجتماع الثلاثي وما سيتبعه من لقاءات في إطار عملية التطبيع التركية مع نظام الأسد ، تعتبره بروباغندا الكرملين نجاحا كبيراً لسياسة روسيا، وترى فيه بداية تسوية الأزمة السورية. وتصادر صحيفة الكرملين VZ عملية التطبيع التركية السورية بالكامل، حيث عنونت أحد نصوصها أواسط الجاري بالقول "روسيا تعيد علاقات الجوار بين تركيا وسوريا". 

لم يترافق الإجتماع الروسي التركي السوري مع كبير إهتمام من الإعلام الروسي والناطق بالروسية، وكاد يقتصر على المرافقة الإعلامية له، من دون تعليقات وتحليلات الكتاب السياسيين التي ترافق عادة الأحداث الكبيرة. 

قناة تلفزة روسية محلية TSARGRAD رأت في اللقاء بأنه "لقاء السنة"، وعنونت نصها الإخباري المقتضب، كما معظم المواقع الإعلامية الأخرى، بالقول "لقاء السنة: وزراء دفاع تركيا، سوريا وروسيا أجروا مفاوضات في موسكو". 

صحيفة الأعمال الروسية Vedomosty، وعلى غير عادتها، نشرت في 29 الجاري نصاً بعنوان "وزراء دفاع روسيا، سوريا وتركيا إلتقوا في موسكو". أشارت الصحيفة في سياق النص إلى أن أردوغان، وفي إتصال هاتفي مع نظيره الروسي، إقترح اللقاء مع الأسد، على أن يسبقه لقاء مسؤولي المخابرات ومن ثم وزيري الدفاع، ويأتي بعده لقاء وزير الخارجية، على أن تتم اللقاءات بحضور الوسيط الروسي وتتكلل بلقاء الرؤساء الثلاثة. وتنقل عن صحيفة تركية قولها في 25 الجاري أن أنقرة وموسكو تتواصلان لفتح المجال الجوي السوري أمام الطيران العسكري التركي للقيام بتنظيف" منطقة العملية العسكرية الأرضية التي لم تعلن أنقرة بعد عن تخليها عنها أو الإصرار عليها. 

تستضيف الصحيفة خبيراً سياسياً روسياً يقول بأن أنقرة تدرك أن عليها أن تتفق مع روسيا قبل العملية العسكرية الأرضية، وذلك لتواجد القوات الروسية في سوريا. وتركيا تريد أن تتحاشى تعرض طيرانها الحربي لنيران المضادات الأرضية الروسية. ويرى أن العملية الأرضية التركية تفترض إحتلال أراضي سورية جديدة في الشمال السوري، إضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها الفصائل السورية التابعة لها، ولا يعتقد أن روسيا ستوافق على الطلب التركي. ويرى أن وجود المخابرات السورية والجيش السوري في اللقاء الثلاثي في موسكو يسمح بالإعتقاد أن المسألة لن تبلغ الإحتلال، وأن الجيش السوري، بدعم من موسكو، يستطيع توفير أمن الحدود مع تركيا دون تدخلها. 

ونقلت الصحيفة عن مستشرق روسي قوله أن الإعداد لعملية تركية أرضية أو إلغاءها، هو على الأرجح، حجة لإطلاق عملية التواصل بين أنقرة ودمشق. هذا التواصل يسمح لدمشق بالتخلص من الإحراج بعد الإتهامات المتبادلة في الفترة السابقة والمطالب التي لم تتحقق. وتتوفر الآن حجة جدية لتدوير تلك الزوايا الحادة التي نشأت سابقاً. روسيا تقترح إطلاق مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ العام 2019، حين إقترحت العودة إلى إتفاقية أضنة العام 1998، والتي نصت على إجراءات مشتركة في مواجهة حزب العمال الكردستاني. وتوفرت الآن ظروف جديدة مؤاتية لإعادة إطلاق هذه العملية، وجهود موسكو ووساطتها ستتمكن من العثور على حلول وسطية. 

ويرى المستشرق أنه تتوفر بدائل متعددة لبدء الحوار، لكن البداية الأنسب لجميع الأطراف هي حل مسألة منبج وتل رفعت، وذلك من خلال وضعهما تحت سلطة دمشق، على أن ينتزع سلاح جميع التشكيلات المحلية الدائرة في فلك حزب العمال الكردستاني. ويقول بأن الأكراد السوريين قد يعتبرون أن مصالحهم قد تضررت ويرفضون مواصلة الحوار مع دمشق، لكنه يتعذر في هذا الوضع تلبية مصالح جميع الفرقاء، خاصة أولئك الذين إختاروا الوقوف وراء الولايات المتحدة، ويستخدمون الحوار مع موسكو ودمشق كبديل إحتياطي. 

وكالة الأنباء الروسية في القرم news-front.info لم تتوقف عند اللقاء الثلاثي، بل نشرت في 28 الجاري نصاً مطولاً ناقشت فيه العواقب المترتبة على العملية الأرضية التركية المحتملة. 

موقع INOSMI المتخصص في وكالة نوفوستي بترجمة الصحافة من مختلف بلدان العالم، نقل في 29 الجاري عن صحيفة "الجمهورية" التركية قولها عن اللقاء الثلاثي في موسكو بأنه " أول اتصال دبلوماسي بين أنقرة ودمشق في موسكو منذ 11 عامًا". ورأت في روسيا "البلد الأهم في تطبيع العلاقات السورية التركية". واعتبرت كذلك أن روسيا لعبت "دوراً كبير الأهمية" في تسوية الأزمة السورية، في حين أن إيران، وهي إحدى الدول الضامنة في عملية أستانة، بقيت جانباً. وتركيا أصلحت غلطاً بعودتها إلى المفاوضات مع سوريا. وحتى في حال ذهبت السلطة التركية الحالية، فالحكومة الجديدة ستواصل إنتهاج السياسة الصحيحة عينها. 

وتنقل "الجمهورية" عن الأستاذ الجامعي التركي حسين باجي لفته الإنتباه إلى أهمية دور روسيا كوسيط بين تركيا وسوريا، ورأى أن اللقاء الثلاثي "كان في وقته". وقال بأن تركيا فضلت الحديث مع سوريا ليس مباشرة، بل عبر روسيا كوسيط. وأشار إلى بقاء إيران جانباً، مع العلم أنها تشكل مع روسيا وتركيا دولاً ضامنة لعملية أستانة، والتي تتكفل بصيانة وحدة الأراضي السورية. 

ورأى الأستاذ التركي أن لقاء موسكو مهم بالجو الذي خلقه، حيث ناقش المسائل المتعلقة بالمهجرين ومكافحة الإرهاب، وخاصة الضمانات القضائية في سوريا والإنتخابات الحرة. وتركيا تقوم بالعمل الصحيح في عودتها إلى سياسة الحوار مع البلدان المجاورة، "الخطأ تم تصحيحه". 

موقع نوفوستي نفسه، وفي اليوم عينه، نقل عن صحيفة تركية أخرى " يني شفق" قولها أنه بفضل روسيا وُضعت بداية تسوية الأزمة السورية. ونقلت عن وزارة الدفاع الوطني التركية تقييمها لجو لقاء موسكو بأنه "بناء" وستتبعه لقاءات أخرى. وقالت الوزارة بأن اللقاء ناقش الأزمة السورية ومسألة المهجرين والجهود المشتركة في مكافحة جميع المنظمات الإرهابية على الأرا ضي السورية". وأشارت إلى أن الصيغة الثلاثية للإجتماعات سوف تتواصل لاحقاً بغية توفير ودعم الإستقرار في سوريا والمنطقة ككل. 


المصدر: المدن

الوسوم :