الطريق
أوضح تحقيق أن المشغل الثالث للهواتف المحمولة في مناطق سيطرة النظام (وفا تيليكوم) مرتبط بالحرس الثوري الإيراني.
وكان وزير الاتصالات في حكومة النظام السوري إياد الخطيب منح ترخيص "وفا تلكوم"، مؤكدا أنه "وطني بامتياز"، وذلك في شباط الماضي.
والتحقيق الذي أعده كل من "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، وهي مؤسسة غير ربحية، و"مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد"، توصل إلى أن شركة ماليزية هي صاحبة الأغلبية في ملكية المشغل الثالث للهواتف، ولها صلات متعددة بالحرس الثوري.
وحتى عام 2019، كانت هذه الشركة مملوكة مباشرة لضابط إيراني خاضع للعقوبات بسبب تسهيل عمليات بيع نفط لصالح الحرس الثوري. كما يرتبط اثنان من مسؤوليها الماليزيين بشركات فُرضت عليها عقوبات، لهذا السبب.
ويبلغ رأس مال "وفا تيليكوم" الذي أعلن عنه رسميا في السابق عشرة مليارات ليرة سورية، بعدد أسهم يبلغ 100 مليون سهم، قيمة كل منها 100 ليرة سورية.
وهذا المبلغ وعند مقارنته برأس مال شركتا اتصالات الهواتف غير المحمولة في سوريا الأولى "سيريتل" والثانية "إم تي إن" يتضح أنه لا يساوي شيئاً، كما أن قيمته قليلة جداً بالنظر إلى مسار العملة السورية أمام الدولار الأميركي.
عندما طلبت سوريا عروضاً لأول مرة لإدخال ترخيص ثالث للهاتف المحمول في 2010، كان من المفترض أن تكون لحظة فاصلة في تحرير الاقتصاد الذي تهيمن عليه الدولة منذ فترة طويلة.
وطرحت شركات دولية عملاقة عروضها، بما في ذلك "فرانس تيليكوم" و"اتصالات الإماراتية"، وكذلك فعلت "تامكو"، وهي شركة إيرانية. لكن الشركة تم سحبها من المناقصة.
وأفاد اقتصاديون سوريون وتقارير إعلامية أن "تامكو" مسمى يعكس اسم ائتلاف "موبين ترست" (Mobin Trust Consortium). وفرضت بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على "موبين" ووصفوها بأنها شركة يسيطر عليها الحرس الثوري.
سارت المحادثات ببطء بسبب مساومة السلطات ومقدمي العروض على الشروط. ولكن قبل أن يتمكنوا من تسويتها، اندلعت الحرب في سوريا، وتم تعليق الترخيص إلى أجل غير مسمى.
وخلال ذلك الوقت استمر قطاع الاتصالات في جني الأموال على الرغم من الانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي بسبب الصراع. وكان قطاع الاتصالات فرصة جاذبة لإيران، حيث قال المسؤولون صراحة إنهم يتوقعون رد الجميل لدعمهم.
ويورد التحقيق أنه في كانون الثاني 2017، زار رئيس الوزراء السوري عماد خميس، إيران ووقع مذكرة تفاهم لمنح رخصة الهاتف المحمول الثالثة لشركة الاتصالات المتنقلة الإيرانية أو "MCI"، والتي كانت حتى عام 2018 مملوكة جزئياً للحرس الثوري من خلال ائتلاف "موبين". لكن لأسباب غير واضحة وقتها لم ترَ تلك الاتفاقية النور.
وأخبر اثنان من رجال الأعمال السوريين معدي التحقيق أن ابن خال الأسد رامي مخلوف، الذي كان يملك جزءاً كبيراً من "سيريتل"، قاوم منح "MCI" الترخيص لأنه لا يريدهم أن يقتطعوا حصة "سيريتل" في السوق، أو يستخدموا نظام التجوال الوطني الخاص بها.
وعندما حصلت شركة "وفا تيليكوم" على الترخيص الثالث الذي طال انتظاره، بالإضافة إلى احتكار لمدة ثلاث سنوات لتشغيل أول شبكة 5G عالية السرعة في البلاد وإذن لاستخدام الشبكات الحالية للمشغلين الآخرين، بدا الأمر وكأنه مجرد امتداد لجهود النظام للسيطرة على القطاع.
وفي أعقاب تأسيس شركة المشغل الجديد، في عام 2017، كانت نحو 48 في المئة من أسهمها مملوكة لشركة سورية تدعى "وفا إنفست"، شارك في تأسيسها مساعد الأسد، يسار إبراهيم، الذي قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه لعب دوراً رئيسياً في الاستحواذ "الشبيه بأسلوب المافيا" على مشغلي الاتصالات في سوريا.
في غضون ذلك قال مسؤول حكومي سابق على معرفة بقطاع الاتصالات إن شركة "ABC" المالكة للأغلبية في شركة "وفا تيليكوم" قد أنشئت في منطقة التجارة الحرة بدمشق جزئياً لإخفاء تورط طهران. وأضاف "لقد فعلوا كل ما يمكن فعله لإخفاء الملكية الإيرانية".
وأشار المحللون إلى أسباب عديدة قد تجعل السلطات الإيرانية حريصة على إخفاء أي استثمار في قطاع الاتصالات السوري، تكمن في تجنب جذب انتباه فارضي العقوبات أو حتى لا تخيف العملاء، الذين قد يكونون حذرين، من استخدام شبكة هاتف تابعة لقوة عسكرية أجنبية.
ويوضح الخبير الاقتصادي جهاد يازجي أنه "بشكل عام، لم يتحدث الحرس الثوري الإيراني، على حد علمي، علناً عن أي مشروع يشارك فيه في سوريا، وبشكل عام يحرص الإيرانيون على إخفاء أجزاء من عملياتهم في سوريا". وأضاف "لست مندهشا لأنهم عموما قليلو الظهور" في العلن.
وعلى الرغم من أن إيران أقامت مصالح اقتصادية في سوريا، إلا أن المشاركة الأعمق قد تمت إعاقتها بسبب العقوبات الغربية والصراع والمنافسة مع الداعم الرئيسي الآخر للأسد، روسيا، للحصول على عقود واستثمارات.
وهناك مؤشرات على أن شركة "وفا تليكوم" قد لا تكون مربحة للغاية. حيث كان من المقرر أصلاً أن تبدأ الشركة العمل في تشرين الثاني/نوفمبر. لكنها قالت إن الإطلاق سيتأخر إلى أجل غير مسمى.