عبسي سميسم
مع استمرار التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية برية ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سورية، لا تزال الأخيرة تتبّع الطريقة نفسها التي اعتمدتها في مواجهة التهديدات السابقة، والتي أسفرت عن خسارتها الكثير من المناطق التي كانت تسيطر عليها في ريفي حلب والرقة الشماليين وريف الحسكة الغربي سابقاً. فكما حصل في كل العمليات السابقة، تجد "قسد" نفسها الحلقة الأضعف ضمن معادلة قد تتخلى فيها الولايات المتحدة عنها لصالح تركيا، التي تجمعها بواشنطن مصالح متعددة.
ولجأت "قسد" بداية للتهديد بعناصر "داعش" المحتجزين لديها، سواء من خلال التحذير من أن الهجوم عليها قد يؤدي إلى فرار تلك العناصر، أو من خلال التهديد بإطلاق سراح تلك العناصر. وبعد استنفاد أوراق القوة لديها، لجأت إلى العدو الصديق، النظام السوري، طالبة منه الدفاع عنها ومواجهة الحملة التركية مقابل بعض التنازلات، وتسليمه بعض المواقع المتقدمة.
كذلك لجأت إلى حليف النظام الرئيسي وشريك تركيا في مسار أستانة، وهو روسيا، مطالبة إياها بمنع التدخّل التركي كضامن للاتفاقات في منطقة شرق الفرات. كما استعانت "قسد" بموسكو كوسيط بينها وبين النظام، الذي يستغل فرص التدخّل التركي في شرق سورية من أجل تحصيل مكاسب، فيما تستغل روسيا التهديدات التركية بمحاولة خلق تقارب أكبر بين النظام وتركيا، كون أنقرة أبدت بعض الليونة في هذا الإطار، ولأنها تفضّل وجود النظام على الشريط الحدودي كبديل لـ"قسد" لما تعتبره أنقرة تهديداً لأمنها القومي من جانب الأخيرة.
إلا أن "قسد"، وعلى الرغم من لعبها على حبال كل أطراف الصراع والدول المتدخلة في الملف السوري، فهي في النهاية تجد نفسها الخاسر الأكبر في جميع المعادلات في المنطقة. فالنظام لا يقبل التوافق مع "قسد" إلا من بوابة تقديمها تنازلات كاملة، بما فيها صهر "قسد" ضمن جيشه. كما أن المجلس الوطني الكردي الممثل في الائتلاف الوطني المعارض لا يقبل بفتح حوار مع "قسد" ما لم تفك ارتباطها بشكل فعلي بحزب العمال الكردستاني، فيما روسيا والولايات المتحدة تتعاطيان معها من خلال مصالحهما، من دون وجود ضمانات لبناء تعاون أو دعم مستدام.
كل ذلك يحوّل "قسد" إلى تنظيم قلق مهدد بالزوال في أي لحظة، أو في حال تغيير أي من المعطيات القائمة حالياً، ويجعل من لعب هذه القوات على حبال تضارب المصالح بين الفاعلين في المنطقة أمراً غير ذي جدوى، وذلك كونها تلعب دور الأداة التي يمكن التخلي عنها لمجرد انتهاء الدور الذي تقوم به، أو حين تستدعي مصالح الدول الفاعلة في المنطقة ذلك.
المصدر: العربي الجديد