حسام كنفاني
ليس من باب المبالغة القول إن قطر تعيش مهرجاناً مكتمل الأوصاف، بانتظار انطلاق مباريات كأس العالم اليوم، فالدولة التي عاشت على وقع الكثير من التهجّمات خلال السنوات الماضية ترمي الآن كل شيء خلفها، استعداداً لإثبات أن كل الحملات التي نالتها لم تكن إلا من باب الكيد. منذ عام 2010، أخذ استهداف قطر واستضافتها المونديال أشكالاً متعدّدة. ففور فوز ملف قطر بالتنظيم، خلال اجتماع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في زيورخ، على ملفي الولايات المتحدة وبريطانيا، بدأ الحديث عن أن هذه الدولة الصغيرة غير جاهزة لاستضافة مثل هذا الحدث العالمي، وأن منشآتها الرياضية لا تلائم مباريات كأس العالم وجماهيرها. لكن، وخلال سنوات قليلة، أظهرت المعاينات الميدانية المتتالية من الاتحاد الدولي لكرة القدم أن هذه الدولة العربية الصغيرة ستكون مستعدة لاحتضان 32 منتخباً عريقاً للتنافس على رفع الكأس الذهبية.
هذه الاستنتاجات لم تُسكت الأصوات التي كانت تنتقد الإنشاءات وصغر المساحة، بل دفعت أصحابها إلى البحث عن أبوابٍ أخرى، فكان المدخل الأساس هو "حقوق العمّال". ورغم أن هذه القضية محقة، ولم تنكرها دولة قطر، بل عمدت إلى تعديل قوانين كثيرة تمسّ العمال وحقوقهم، إلا أنها ليست حكراً على قطر وحدها، بل يمكن القول إن وضع العمّال في معظم دول الخليج العربي مزرٍ، ويحتاج إلى إصلاح. ومع ذلك لم تكن هناك أي إشارة إلى أوضاعهم في دول أخرى غير قطر، ولم تلتفت الحملات إلى القوانين الجديدة، غير المسبوقة في دول الخليج العربي، الخاصة بالعمّال. وللأسف، فإن صحفاً عريقة انجرّت في هذه الحملات وقدّمت معلومات مغلوطة، منها عدد وفيات العمال خلال عشر سنوات، وهو ما ثبت زيفه.
الباب الثاني للانتقاد انساق مع الموجة العالمية التي انطلقت قبل أعوام قليلة لدعم حقوق المثليين، واشتدت في الأشهر الأخيرة. واستهدفت الحملات ما قالت إنها قوانين قَطرية تُعاقب المثليين، وهو أمر من المؤكد أن قطر تتشارك فيه مع الكثير من الدول المحيطة والبعيدة، ولعل روسيا خير مثال على ذلك، فإن القوانين الروسية ما زالت تُعاقب المثليين بالحبس، ومع ذلك فإن أياً من الحملات لم تستهدفها خلال استضافتها كأس العالم في 2018، كذلك لم تطاولها انتقادات قمع الحريات وحقوق الإنسان.
وحالياً، وقبل ساعات من انطلاق المونديال، خرج موضوع الكحول في الملاعب إلى العلن، وبات الاستهداف منصبّاً على كيفية منعه الذي أعلنته "فيفا" قبل يومين، رغم أن الأمر ليس جديداً، إذ سبق لطوكيو أن منعت الكحول في الملاعب خلال دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة. كما أن العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بريطانيا، تمنع إدخال الكحول إلى مدرجات الجماهير، ومن يريد احتساءه يكتفي بذلك في الممرّات قبل الدخول إلى المدرّجات. فالأمر ليس جديداً، لكن جديده أنه يأتي من دولة عربية مسلمة تُنعت بالمحافظة.
لكن بغضّ النظر عن كل هذه الحملات، انتهى الانتظار الطويل الذي دام 12 عاماً لانطلاق مونديال 2022 الذي تستضيفه قطر. انتظار لم يكن هيّناً، فإضافة إلى الحملات كانت هناك المنغّصات العامة والخاصة التي عاشتها الدوحة، بدءاً من الحصار الذي تعرّضت له من جيرانها، وأثر بشكل أو بآخر على الاستعدادات للاستضافة هذا الحدث العالمي، مروراً بالإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا على العالم، وقطر من ضمنه، والذي أيضاً كانت له انعكاسات على ورش الإعمار الكثيرة التي انطلقت في قطر.
غير أن كل هذه المنغّصات لم تفلح في منع إقامة كأس العالم في قطر. وها هي صافرة البداية تنطلق اليوم، معلنةً إقامة المونديال في دولة عربية لأول مرة في التاريخ. ومعها ستتوقف كل الحملات التي تستهدف الاستضافة والمضيف، ليعلو صوت هتافات الجماهير واحتفالات اللاعبين.
المصدر: العربي الجديد