رأي

عن مسؤولية المرأة السورية في استقرار المجتمع

الخميس, 19 يناير - 2023

الطريق- عائشة صبري


يقال إنَّ المرأة هي المهندسة الحقيقية للمجتمع، وهي تعدّ المدرسة الأولى التي تتكوّن فيها شخصية الإنسان، وفي الواقع السوري تتضاعف جهودها ويتعاظم دورها في ضبط المجتمع أمام الانحلال الأخلاقي، لا سيما مع انتشار المخدرات والفلتان الأمني خاصة مع غياب المعيل بوفاته أو تغييبه قسرياً في السجون.

فالمرأة لا تقتصر أعمالها على التدبير المنزلي، بل باتت تأخذ دور ربّ الأسرة من ناحية تأمين المستلزمات اليومية ومتابعة شؤون أولادها، خاصة الذين يعملون في سن صغيرة لمساعدتها في المصروف، فيتعلمون من الخارج السباب والشتائم ومنهم من بات يدخن السجائر وهو لا يتجاوز العشر سنوات. وفي تسجيل مصور التقطه مؤخراً إعلامي في شوارع مدينة عفرين لطفلين يتبادلان النرجيلة أخبراه بأنَّهما يشربانها منذ شهر بعد أن علّمهم صديقهم.

في حين تشكو الكثيرات في مختلف المناطق السورية، من سوء أخلاق زوجها وأولادها أو أبيها وإخوتها بسبب ازدياد نسبة انتشار وتعاطي المخدرات التي باتت سلطات الأمر الواقع تعتبرها تجارة رابحة، ويرعاها نظام الأسد حتى صنفته أمريكا دولياً بنظام الكبتاغون، وتتباين النسب ما بين قدرة المرأة على ضبط أسرتها من هذه الآفة الخطيرة وما يترتب عليها من آفات أخرى ليس أقلها ضربهم لها، وما بين ضعف المرأة عن إيجاد حلول، كما يقول المثل "ليس في اليد حيلة".

لعلَّ النزوح والعيش في بيئة جديدة مغايرة تماماً لما كانت عليه الحياة السورية، قد أثّر على المجتمع، ما يتطلّب زيادة وعي المرأة لتحمي عائلتها من المخاطر المجتمعية لا سيّما مع سهولة حيازة الأسلحة، فالمخيمات زادت الطين بلة، بسبب استراتيجية العيش المتعبة نفسياً وجسدياً من جهة، وتنوع واختلاف السكان وكلّ منهم كان يعيش في بيئة مختلفة عن الآخر من جهة أخرى.

من الملاحظ كثرة المنظمات الإنسانية بمختلف مسمياتها وأدوارها، لكن عندما تلامس الواقع في الشمال السوري، تجد النساء مهملات ولا أحد ينظر لرعاية الشؤون الاجتماعية إلا على نطاق ضيّق وفردي، فالمنظمات موجودة لكن دورها ضعيف في هذا الصدد، والمرأة تترتب عليها مسؤوليات كبيرة ولا تتجاوز مساعدتها من محيطها العائلي إن وجد، ربّما يساندها أخوها أو قريبها في مهمة إرشاد الأولاد.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ الأسرة هي العصب الأساسي لبناء المجتمع، فالأسرة تعد جزءاً من النظام المعيشي العام من خلال تنشئة الفرد من كافة النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وأيّ تغيير في السلطة وما يترتب عليه من نزوح ومخاوف أمنية تتأثر الأسرة به، ما يؤدي إلى ضعف دور الأسرة بضبط المجتمع، وازدياد عوامل هدم الأسرة وبالتالي انحلال المجتمع.

فمثلاً حالة العيش في المخيمات هو نوع جديد وطارئ، والوازع المجتمعي يتلاشى نوعاً ما مع غياب الرادع، فربّما كان الفرد يخشى من أفراد عائلته فيؤوب عن الفعل لكنّه في منطقة النزوح بعيد عن العائلة، بالتالي لم يعد هناك وازع مجتمعي، إضافة إلى غياب الوازع الديني، وضعف دور سلطة الأمر الواقع التي لعبت بشكل أو بآخر دوراً في تسهيل انتشار الآفات المجتمعية.

حريٌّ بمن يريد ضبط المجتمع من الآفات أو الانحلال الأخلاقي، أن يدعم جهود المرأة فهي الأساس في تنشئة الطفل، واستقرار المجتمع يأتي من استقرار الأسرة عبر تلبية احتياجاتها الأساسية، والمرأة رغم جهودها المتواصلة والمتعددة لكن ربّما يخرج عن إرادتها ضبط شؤون أولادها مع تأثرهم بالبيئة الخارجية، فلا يمكن تحميل المرأة كلّ المسؤولية في انحلال المجتمع.

المرأة بمفردها لا يمكنها أن تضبط المجتمع، حتى لو حاولت في إطار إمكانيتها، لكن يبقى دورها الأساسي في متابعة شؤون أولادها في العمل والمدرسة ومعرفة أصدقائهم، إذ إنَّ الصديق من أهم عوامل تأثر الفتيان والفتيات، وربّما يكون دورها في التنسيق مع قريناتها كتجمعات صغيرة والتعاون النسوي لمساعدة بعضهنّ البعض من خلال التجارب الشخصية، إضافة إلى إعداد ناشطات حقوقيات تدريبات خاصة للنساء، بما يساعد في أن تكون كلّ امرأة فاعلة ضمن بيئتها ولا تبقى رهينة العجز.