رأي

خسارة "أوزداغ".. نبذ شعبي تركي للعنصرية

الجمعة, 19 مايو - 2023

الطريق – عائشة صبري


لا شكّ أنَّ الانتخابات التركية تُشغل بال اللاجئين السوريين، ما جعلهم في قلقٍ مستمرٍ حول تحديد مصيرهم، خاصةً مع اتخاذ ملفهم كدعاية انتخابية تبدو للمتابعين أنَّها الوحيدة في جعبة بعض أحزاب المعارضة.

وقد برز اسم زعيم حزب النصر أو الظفر، أوميت أوزداغ، الذي لم يحصل تحالف البرلمان "ATA" بزعامته على أيّ مقعد في البرلمان، وهو ما أثار سخرية السوريين من مخاوفهم المستمرّة، لا سيّما مع تصريحه لأنصاره يوم 14 أيار: "كان ينبغي أن نحصل على مزيد من الأصوات، أصبح من الصعب جداً على هؤلاء الـ 13 مليون لاجئ وهارب العودة إلى وطنهم".

وفي النظر إلى مسيرة أوزداغ خلال عامين أمضاهما في الطرقات باحثاً عن سوري يُشبع به شغفه في عزف سيمفونيته الشهيرة، "هل تريد العودة إلى بلدك؟ أنا سأساعدك لتعود؟" من كلامه أيضاً: "من السهل أن تكون لاجئاً، لكن من الصعب أن تكون تركياً!"، وكان لا يهدأ في كلّ ساحة وميدان مستهدفاً المحلات السورية مثل عامل جباية يطلب من السوريين أوراقهم الثبوتية ويهدّدهم بالترحيل.

فيما يُوجّه كلامه للأتراك قائلاً: "إن أردتم بقاء السوريين، فصوّتوا لمن شئتم لا أحد يريد ترحيلهم، لكن إن أردتم رحيلهم فلا خيار أمامكم سوى حزب النصر"، واعداً "سنعيدهم بعد عام"، حسب التسجيلات المصوّرة، تفاوتت ردود الأتراك منهم من يقول له: "لماذا بعد عام، فليعودوا فوراً لبلدهم"، فيما يردّ آخرون: "لا يليق هذا بإنسانيتنا وتاريخنا".

فكانت سياسة أوزداغ وأمثاله من بينهم رئيس بلدية بولو تانجو أوزكان، هو ترحيل السوريين، وسط تأجيج العنصرية وخطاب الكراهية ضد العرب خاصة السوريين عبر تداول الشائعات منذ تأسيس حزبه في 28 آب 2021، فهو ليس الوحيد من بين زعماء المعارضة، لكن يبدو ظهوره الإعلامي كان الأكثر على المواقع السورية.

وعلى ما يبدو كانت تلك الفيديوهات المثيرة للاشمئزاز مجرد فقاعات إعلامية تلاشت مع إرادة الشعب التركي الذي ينبذ الأصوات العنصرية الناشزة، فلم يصوّت سوى 2.25 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التركية لصالح تحالفه، ولم يستطع تخطي حدّ الـ7 في المئة لدخول البرلمان، بعدما كان مرشح حزبه عن ولاية غازي عنتاب جنوبي البلاد.

وفي إحدى لقاءاته سأله شاب سوري بماذا تعدون الشعب التركي سوى ترحيل السوريين، أجابه (أوذاغ): "أنت سوري، السوريون سنرسلهم إلى بلدهم فقط، أمّا الأشياء الأخرى فلا تهمّك". وهذا ما أكده وزير الداخلية التركي سليمان صويلو حيث انتقد أوزداغ في لقاء تلفزيوني في أيار 2022، واتهم صويلو بعض المسؤولين بالمعارضة بتأليب الشعب التركي ضد السوريين واستخدامهم كورقة لأجل أهداف انتخابية بحتة، ما يُشير إلى غياب أهداف تهمُّ حياة الأتراك، على عكس برنامج حزب العدالة والتنمية الذي يهمّه تحسين الواقع المعيشي لا سيّما إعلان الرئيس أردوغان زيادة الرواتب بنسبة 45%، فكانت نسبة المقاعد البرلمانية هي الأعلى بمعدل 268 مقعداً مقابل 169 مقعداً لحزب الشعب الجمهوري الذي ينافس على كرسي الرئاسة. 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل خسارة أوزداغ تعني توقف حملات العنصرية؟ بالطبع لا، فما زالت الحالة ذاتها، بل ربّما ستزيد في الأيام المقبلة، فعدم حصده لأيّ مقعد في البرلمان سيجعله متخبّطاً وربّما يرفع وتيرة التحريض والتأليب ضد السوريين، ومن المحتمل أن يستخدم الشعارات القومية لمهاجمة السوريين.

بالتالي، عدم حصوله على مقعد في البرلمان يعني عدم وجود أيّ حصانة برلمانية أو قانونية تعرقل محاسبة أيّ مخطئ من أعضاء حزب النصر، ولم يعد له غير التويتر منبراً يعبّر فيه عن عنصريته البغيضة، حسبما يعتقد سوريون، والحلّ الوحيد أمامهم خاصة المجنسين هو الشكاوى القضائية على أيّ انتهاك يرتكبه أوزداغ على وسائل الإعلام أو حتى في أي تصريح له يستهدف به السوريين.

في حين يتوعّد مرشح الرئاسة كمال كليجدار أوغلو قائلاً: "سأرحّل الجميع فور وصولي إلى السلطة"، كما عرض تسليم وزارة الهجرة لـ سنان أوغان مرشح حزب النصر مقابل دعمه في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة يوم 28 أيار القادم.

ويؤكد الصحفي التركي جلال ديمير، أنَّ أوزداغ حالة وليس شخصاً، فبدأت حالة سنان أوغان الذي صرّح بأنّ "قضية توطين اللاجئين خط أحمر"، فيما كرّرت المعارضة ميرال أكشينار قولها للأتراك: "بفضل أصواتكم سيذهب السوريون"، والتي أسست حزب "الجيد" في العام 2017 وانضم إليه أوزداغ، بعدما كان الاثنان مع حزب الحركة القومية (قومي يميني).

وفي آب الماضي، أعاد مغردون أتراك نشر مقابلة لأوزداغ قبل نحو 11 عاماً، كان حينها ينبذ العنصرية التي يتحدث بها الضيف الثاني حول سكان تركيا الأصليين والمهاجرين، ويقوله له: "هذا أكثر كلام فاشي سمعته على مدار 20 عاماً، تركيا للجميع"، ليُعيد أوزداغ الكلام ذاته!.

باعتقادي إن ملف اللاجئين السوريين في تركيا من الملفات المتشابكة، ولا يمكن لأي طرف تركي الانتهاء منه بعيداً عن القوانين الدولية، وقبل تحقيق حل سياسي، أما على المستوى الشعبي التركي فإن فشل أوزداغ وحزبه في دخول البرلمان يبعث على الأمل بنبذ "العنصرية" من الشارع التركي.