الطريق- أحمد عبدالرحمن
لم يتمكن أحمد الحسن (43 عاماً)، والمقيم في مدينة سلقين شمال غربي إدلب، منذ أكثر من شهرين من شراء البيض رغم حاجته الماسة إليه لتغذية والدته المسنة، بسبب سعره الذي ارتفع إلى الضعف خلال الأيام الأخيرة.
ويعمل الحسن في سوق الهال بأجر يومي لا يتجاوز الـ 50 ليرة تركية بأحسن أحواله، في وقت تجاوز ثمن صحن البيض الذي تستهلكه عائلته المؤلفة من 8 أفراد في أسبوع واحد، أكثر من مدخوله اليومي، والذي من الصعب أن يحصل عليه دون مزاولة عمله الشاق؛ ما أجبره على العزوف عنه ونسيانه بشكل كلي في الفترة الحالية، حتى انخفاض أسعاره لتصبح ضمن قدرته الشرائية، بحسب تعبيره.
وشهدت أسواق محافظة إدلب مؤخراً ارتفاعات متتالية في أسعار الفروج والبيض، حيث ارتفع صحن البيض الذي يحوي ثلاثين بيضة بوزن 1800 غرام إلى 50 ليرة تركية، و55 ليرة للأوزان الأكثر من ذلك، في حين وصل سعر الفروج الحي إلى 30 ليرة تركية للكيلو الواحد وسط عشوائية وفوضى كبيرة في الأسواق، لا سيما تفاوت الأسعار في المبيع للمستهلكين بين محل وآخر.
لا يمكن لـ نور الهدى دياب (36 عاماً) مهجرة من مدينة حلب إلى ريف إدلب، أن تصنع مائدة الفطور في كل صباح دون أن تضع البيض، حيث تعتبره صنفاً أساسياً من الضروري أن يتواجد على مائدتها رغم ارتفاع سعره؛ لأن طفلها الأكبر مريض توحد ويعاني من سوء تغذية حاد.
وتقول الثلاثينية المعيلة لأولادها وزوجها المصاب، خلال حديثها مع "الطريق"، إن استهلاك عائلتها من البيض كان يصل إلى 4 صحون شهرياً، موضحةً أن ذلك عندما كان ثمنه ضمن المعقول، لكن بعد ارتفاع سعره لم يعد بالإمكان شراء إلا البيضة والاثنتين لتعدهما وتطعم ابنها، "يعني مو معقول ارتفاع الأسعار يلي عم يصير بالمواد الغذائية وين المسؤولين عن البلد ما يضبطوا الوضع ومن وين الناس بدها تجيب مصاري حتى تعيش واطعمي ولادها"، تتساءل نور.
وأعرب الأهالي المقيمون في محافظة إدلب عن استيائهم من هذه الارتفاع المتكرر في الأسعار غير المبرر، حيث أوضح عدد منهم لـ "الطريق"، أنهم اضطروا مؤخراً لشراء ربع طبق من البيض كونهم لا يستطيعون الاستغناء عنه بشكل كامل، بسبب وجود أطفال صغار، فيما قال آخرون إنهم يشترونه بالمفرق بسعر يتراوح بين 2 و 2.5 ليرة تركية للبيضة الواحدة، لأن مبيع المفرق أغلى من الجملة كما يبرر لهم الباعة أصحاب المحلات.
وللوقوف على الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر بيض الدجاج إلى معدلات لم تصل إليها من قبل، التقى "الطريق" مع عدد من المربين في إدلب لتوضيح أهم الأسباب للأهالي.
ويقول أحمد الهشوم (50 عاماً)، ويعمل في تجارة الدجاج ومتطلباته، إن القسم الأكبر من المربين توقف عن العمل بعد تصريف الدجاج البيَّاض في الأسواق بأسعار زهيدة جداً نتيجة الخسائر الفادحة التي وقع فيها أصحاب المهنة منذ مطلع العام الجاري حتى شهر حزيران / يونيو الفائت، وذلك بسبب بيع طبق البيض من أرض المدجنة بسعر واحد دولار أمريكي فقط، في حين كانت الدجاجة تحتاج مبلغ 4 دولارات حتى تصل إلى مرحلة الإنتاج.
وفي السياق ذاته، أفاد محمد السيف (53 عاماً)، وكان قد عمل في تربية الدجاج البيَّاض ثم توقف عن ذلك بعد خسارته مبالغ طائلة، أن إهمال المنظمات والجهات المسؤولة للثروة الحيوانية في المنطقة، بالإضافة إلى توقف شركات العلف عن البيع الآجل للمربين وإجبارهم على الشراء نقداً، بسبب هروب بعضهم من المنطقة دون تسديد الديون المترتبة عليهم إثر الخسائر التي وقعوا فيها، دفع قسماً كبيراً من المربين لإيقاف عملهم نتيجة ضعف القدرة المالية لدى معظمهم، الأمر الذي تسبب بارتفاع سعر صحن البيض إلى الضعف جراء النقص الحاد الحاصل للمادة في الأسواق.
وكان فريق "منسقو استجابة سوريا"، قد أنذر في وقت سابق من ارتفاع مؤشر حد الجوع والفقر والكلف الاقتصادية للعائلات في شمال وشمال غربي سوريا بعد دراسة أجراها ضمن عشرات المناطق شملت مخيمات النازحين.
وبحسب الفريق، فإن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر شمال غربي سوريا تبلغ 84 في المئة، وفقاً للأسعار الأساسية وموارد الدخل، إذا أعرب الفريق حينها عن مخاوفه من الواقع المعيشي الذي يعانيه السكان تحديداً قاطني المخيمات.