الطريق - راوية محمد
يعاني سكان المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا "قسد" من صعوبات أمنية واقتصادية ناجمة عن عدم الاستقرار الأمني والتجنيد الإجباري وغلاء الأسعار وزيادة نسب البطالة بشكل ملحوظ.
على جانب الرصيف المقابل لسوق الهال في مدينة الحسكة، يجلس خالد (37 عاماً) على دراجته النارية؛ علَّه يوصل أحد الركاب ويحصل منه على قليلٍ من المال يشتري به لعائلته ما يسد الرمق.
لم يكن هذا طموح خالد، الشاب الذي أصر على إكمال تعليمه آملاً بمستقبل أفضل، غير أن تغير الأحوال أطاح بطموحاته.
تخرج خالد في "كلية الآداب" بمدينة الحسكة قبل نحو عقد، وعمل معلماً في مدرسة ثانوية، ومع تدهور الليرة السورية وارتفاع الأسعار، لم يعد راتبه يكفي لأكثر من يومين؛ ما أجبره على العمل (سائق دراجة نارية) بعد انتهاء دوام المدرسة، يقول لـ"الطريق": "لم أفلح في العثور على عمل أفضل".
أمَّا عمر عبد الغفور (36 عاماً) الحاصل على درجة الماجستير في كلية الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، فقد اضطر إلى ترك عمله موظفاً حكومياً في دمشق بسبب التجنيد الإجباري.
وعندما عاد عبد الغفور إلى الحسكة سجّل اسمه في مكتب التشغيل منذ أكثر من سنة، وتقدم لمسابقات عدة في منظمات محلية ودولية بالرقة والحسكة ودير الزور، ولم يتمكن من إيجاد وظيفة حتى اليوم.
ويعتقد عبد الغفور أن المنظمات والمؤسسات التابعة لـ"الإدارة الذاتية" تعتمد المحسوبيات في التوظيف، ويقول: "لم أرَ شخصاً حصل على وظيفة بدون واسطة".
ولا توجد إحصائيات أو تقديرات لنسبة البطالة في الحسكة، إلا أنها ارتفعت في سنوات الحرب، وهناك الآلاف من الشباب ممن يبحثون عن فرص عمل، رغم تأسيس "الإدارة الذاتية" لمكتب تشغيل.
وكانت سعاد منصور (26 عاماً) خريجة علم النفس في جامعة حلب، تأمل في الحصول على وظيفة في إحدى المؤسسات العامة أو الخاصة في مدينة القامشلي بعد تخرجها، ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل.
تقول منصور لـ"الطريق": "الواسطة والاستغلال يتحكمان بكل شيء هنا بالنسبة للتوظيف، في المنظمات أو في المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية".
ويعاني أيضاً بعض أصحاب المهن الحرة من البطالة كما أصحاب الشهادات الدراسية، ومنهم كمال العلي من مدينة الشدادي، الذي كان يعمل في مجال النجارة وتصميم غرف النوم قبل اندلاع الثورة.
يقول كمال لـ"الطريق": إن "الظروف المعيشية الصعبة للأهالي أصبحت أسوأ، وبعد أن تعرضت مدينة الشدادي لدمار كبير بعد دخول تنظيم الدولة وسيطرة "قسد" لم يعد هناك اهتمام كبير بكماليات الحياة كغرف النوم، الناس يريدون إعمار ما تدمَّر بأقل التكاليف، وهذه المهنة أصبحت غير مطلوبة كثيراً".
من جهته، يوضح الناشط المدني فارس الخضر أن منطقة الجزيرة السورية تعاني أصلاً من قلة فرص العمل منذ زمن طويل، ويبين أن البطالة ازدادت كثيراً بعد الحرب حسب قوله، مضيفاً : "في السابق كان الشباب الذين لا يجدون فرص عمل يهاجرون لدول الخليج العربي أو إلى لبنان أو للعاصمة بحثاً عن العمل، اليوم لم يعد السفر متاحاً بسبب ظروف الحرب، بالإضافة لذلك المحسوبيات والفساد في التوظيف ساهمت بنشر البطالة".
وعن تداعيات انتشار البطالة يقول لـ"الطريق": "التداعيات بدأت بالظهور، وهناك انتشار لجرائم السرقة بكثرة في منطقة الجزيرة عامة في الحسكة والرقة وديرالزور، إلى جانب انتشار المخدرات، والخطف".
ويضع المحامي عماد العكلة حملات التجنيد الإجباري التي تشنها "قسد" على رأس أسباب انتشار البطالة، ويقول لـ"الطريق": "حالياً إذا أردت التقدم لوظيفة يجب أن يكون لديك دفتر خدمة عسكرية من قوات الدفاع الذاتي، ومعظم الشبان المتعلمين يرفضون حمل السلاح، ويبحثون عن وظائف مدنية".
ويضيف العكلة، أن الإدارة الذاتية تتحمل مسؤولية ازدياد البطالة، ويرى أنها يجب أن تعيد النظر بقانون الدفاع الذاتي "التجنيد الإجباري"، الذي يمنع الكثير من الشبان من العمل.