حسام جزماتي
بتسلُّم محمد غزر من الولايات المتحدة الأميركية، عبر الإنتربول، تغلق تركيا ملف تفجيرات الريحانية التي جرت على أراضيها عام 2013 وخلفت أكثر من خمسين قتيلاً؛ لأن مُخطط هذه العملية، يوسف نازيك، كان قد اعترف بأنه أخذ تعليمات الهجوم من غزر، قبل أن يتلقى حكماً بالسجن المؤبد لثلاث وخمسين مرة.
وكانت وسائل إعلام تركية قد نشرت، في أيلول 2018، أنباء تفيد بتمكن سلطات أنقرة من القبض على مواطنها يوسف نازيك وجلبه من الأراضي السورية في عملية استخبارية خاصة. وذكرت أن مراقبة نازيك استغرقت تسعة أشهر، وأن فريق العملية تكون من 24 شخصاً، وأن الإمساك به جرى في فيلا تبعد 1,5 كم عن اللاذقية.
بالمقابل ظلت سلطات دمشق صامتة. ليس فقط بسبب الأثر المهين للاختراق، بل لأنه جرى أساساً على يد أحد أقارب العائلة اللصيقين، وهو وعد شاليش (عيسى)، حفيد حسيبة أخت حافظ الأسد، وابن جابر، الشقيق الأكبر للوائين الشهيرين رياض وذي الهمة.
ولد وعد في القرداحة عام 1973. وخلافاً لكثير من أقرانه لم يُظهر نزوعاً واضحاً إلى العنف، بشعره الأشقر ووجهه الهادئ، بقدر ما مال إلى المتع والعلاقات النسائية، حتى بعد أن تزوج بسمة الجميلة، ابنة عمه حكمت. وبذلك أصبح عديلاً لمنذر جميل الأسد، أحد أبرز شبيحة اللاذقية، من زوجة منذر الأولى حكمية.
يمكن القول إن وعد قضى حياته مرفهاً ومتبطلاً بفعل ما يفيض عليه من ثراء العائلة. وقد فشل عندما فتح معملاً صغيراً لتصنيع الكبتاغون في منزل يملكه بحي الزراعة في اللاذقية، كما صودرت بالمصادفة شحنة حشيش كان قد أرسلها. وحتى عندما أراد اللحاق بركب التشبيح أثناء الثورة؛ عجزت «سرايا الوعد»، التي أنشأها في مطلع 2016، عن تحقيق إنجاز عسكري ذي بال، ونقلت ولاءها من الإيرانيين إلى الروس من دون فائدة، ثم انفرط عقد متطوعيها المقدرين بالعشرات.
خلال 2018 كان أبو علي في ذروة الفراغ. يهيم على وجهه بسيارته «الغواصة» في طرق الجبل، أو يجلس صامتاً وحيداً في المقاهي آخر الليل، إذ لم يعد يملك ما يكفي للعب القمار أو للمغامرات بعدما ضبطت زوجته المتسلطة الأملاك والموارد بيدها. وعندئذ جاءت «الرزقة» التي كانت خطرة.
كان الأتراك يبحثون عن يوسف نازيك الذي فر إلى سوريا، أرض الإفلات من العقاب، بعد العملية، وأقام في اللاذقية وريفها حيث عرف على أنه «يوسف العلوي». وكما يروي مطّلعون على الجانب السوري كان المبلغ المرصود ضخماً عندما تواصلوا مع وعد الذي شعر أنه في حاجة إلى شركاء للقبض على نازيك، ففاتح حافظ منذر الأسد بالأمر، فهو ابن عديله من جهة، كما أنه متزعم مجموعة شرسة من الرجال لا تأبه للقوانين من جهة أخرى. يقول مقربون من أبي منذر إنه استهول الموضوع وخشي أن يكون فخاً لاستدراجه فسارع إلى إبلاغ ماهر الأسد الذي وجّهه إلى إظهار الموافقة ومتابعة القضية عن كثب وإبلاغه بالمستجدات. لكن الوقت كان قد تأخر على الاستدراك فتمت العملية واصطحب وعد، وسبعة من أعوانه يوسف نازيك في قارب تجاوز المياه الإقليمية وسلّمه للأتراك في البحر، بينما كان يتم تصوير العملية بالكامل من قبل أحد شبيحة حافظ. فبادرت السلطات إلى اعتقال وعد والمجموعة خلال وقت قصير وأعدمتهم ميدانياً، وأرسلت هويته إلى أسرته إشعاراً بذلك.
تلقي قصة كهذه الضوء على ثنائية الولاء والفساد في الحاشية. فمهما كان المبلغ المعروض على حافظ منذر الأسد مغرياً فإنه لا يستأهل المغامرة بأعماله غير المشروعة التي ستقع تحت التهديد في حال ارتكابه فعل «الخيانة» الأمني والسياسي، في حين لم يكن لدى وعد الكثير ليخسره. خاصة أن أبناء العائلات البلاطية والمقربة، كالأسد وشاليش ومخلوف بالترتيب، محكومون بدور «المعلم» لدى الوسط المحيط، مما يرتب على الواحد منهم قدراً من النفوذ والاستزلام والبذخ، دونه يسقط في مهانة العادية التي لا تليق بالكنية المهيبة.
وتمنحنا الحادثة رؤية كاشفة لصعود عائلات الحكم وتراجعها، خاصة مع عزل "ذو الهمة شاليش" في شبه إقامة جبرية خلال سنواته الأخيرة. ورغم أنه من المستبعد أن يكون قد اطلع على ما فعله ابن أخيه قبل القبض المفاجئ عليه، فإن حجة كهذه ربما استخدمها بشار لـ«كسر عين» العائلة العجوز التي ورثها مع عدة الحكم عن أبيه دون أن يكن لها تقديراً أو مكانة خاصة.
كما تبدو هذه الرواية مثالاً عن علاقات «القصر» بمنبته العائلي. فقبل الثورة قال بشار أمام عدد من مقربيه: «أنا مو من القرداحة، ما بعرف بالقرداحة إلا ثلاثة أشخاص». أما ماهر فقد حافظ على علاقة مرجعية متباعدة وانتقائية مع أبناء عمومته، جعلت منه الباب الذي يقصدونه متقربين إن أتيح لهم ذلك، ليحصلوا على الغطاء وربما التمويل، مقدمين ولاءهم لشخص «لواء الوطن».
من طرائف المصادفات أن اليوم الذي أعلنت فيه تركيا عن تسلمها محمد غزر، الخميس الفائت 30 حزيران، هو اليوم نفسه الذي رزق فيه حافظ منذر الأسد بمولود أطلق عليه اسم ماهر مستثمراً تطابق الأسماء، مفاخراً بأن ابنه الجديد «ماهر حافظ الأسد».
المصدر: تلفزيون سوريا