عدنان علي
تتحضر المنطقة لاستقبال الرئيس الأميركي جو بايدن منتصف الشهر المقبل وفي جعبة زعمائها سلة من القضايا المتداخلة إلى حد بعيد، بينما يحمل الضيف، ويحضر مندوبو إدارته، مطالب محددة من قادة المنطقة في الشقين السياسي والاقتصادي.
وشهدت الأيام الأخيرة حركة نشطة لقادة المنطقة ما بين الرياض وأنقرة والقاهرة وشرم الشيخ وعمّان، استهدفت تجميع المواقف، ومحاولة التوصل إلى رؤى مشتركة بين العواصم الفاعلة حيال السياسة الأميركية في المنطقة والتي ركزت في السنوات الأخيرة على قضيتين رئيسيتين، وهما التوصل إلى تفاهم نووي مع إيران، ودفع العرب إلى التطبيع المجاني مع إسرائيل، مع إهمال كل المطالب العربية والتركية الخارجة عن هذين الهدفين، وخاصة الشكاوى المتكررة من جانب دول الخليج، السعودية والإمارات تحديدا، من عدم الاكتراث الأميركي بمصالحهم الوطنية التي تعرضت للتهديد بواسطة صواريخ الحوثي الإيرانية، دون أن يكون هناك رد فعل أميركي يرتقي إلى مستوى هذا التهديد، وهو ما دفع الدولتين للتفكير علنا بالبحث عن خيارات استراتيجية أخرى بعيدا عن العباءة الأميركية، أي باتجاه روسيا والصين.
ولعل العاهل الأردني كان الأفصح صوتا في التعبير عن جزء من الهواجس العربية، أي تلك التي تخص الأردن ومحيطه، حين جدد قبل أيام في تصريح لقناة (سي إن بي سي) الاقتصادية التعبير عن مخاوف بلاده مما يجري على الحدود مع سوريا لجهة ازدياد حضور الميليشيات المدعومة من إيران، وتصاعد عمليات تهريب المخدرات التي تشرف عليها تلك الميليشيات، في حين تدور تكهنات حول مساع أردنية لتشكيل تحالف إقليمي ودولي لمواجهة هذه المخاطر التي تشارك الأردن القلق حيالها إسرائيل، لدواع أمنية، ودول الخليج العربي، الوجهة النهائية لتجارة المخدرات القادمة من سوريا. وعزا الملك الأردني تضاعف الوجود الإيراني في الجنوب السوري إلى الانكفاء الروسي بعد الحرب في أوكرانيا.
وكان اللافت هو إعلان الملك دعمه المطلق لفكرة تشكيل حلف عسكري في الشرق الأوسط يشبه حلف شمال الأطلسي، حتى لو لم تكن الدول المشاركة في الحلف "تتشارك العقلية ذاتها"، بحسب تعبيره، في إشارة إلى إمكانية أن يضم هذا الحلف إسرائيل أيضا، وطبعا الهدف هو مواجهة إيران، وإن كان العاهل الأردني حاول تبديد ذلك بقوله إن أحدا لا يريد الحرب، وإن الهدف هو العمل على خلق رؤية يصبح معها الازدهار عنوانا للمرحلة المقبلة.
وبغض النظر عن كون الأردن ربما يحاول الاستثمار سياسيا واقتصاديا في "معركته" مع المخدرات وتصوير الأمر كمواجهة أشمل يخوضها بالنيابة عن كل دول المنطقة والعالم، وذلك بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، إلا أن الهواجس الأردنية جزء كبير منها حقيقي، ذلك أن استغلال إيران وميليشياتها للانشغال الروسي في أوكرانيا، ودفعهم بتعزيزات إلى الجنوب السوري باتجاه محافظتي درعا والسويداء، قد ينقل المواجهات هناك إلى مستوى أعلى، وفي حال ارتفعت وتيرة الاعتراض الأردني على حركة تهريب المخدرات، والتي هي قضية مصيرية، عند قادة الأمن والفرقة الرابعة وحزب الله، فقد يدفعهم ذلك للرد، وإطلاق النار على الجنود الأردنيين، بل ونقل "المعركة" إلى داخل الأردن نفسه، خاصة بعد أن غيّر الأخير من قواعد الاشتباك، وباتت قواته تطلق النار مباشرة على مهربي المخدرات وحُماتهم، ما بات يوقع قتلى بشكل مستمر في صفوفهم.
وما يجري في الجنوب السوري، يمثل صورة مصغرة لما يجري في المنطقة كلها، حيث تكتسي التدخلات الإيرانية مزيدا من الرعونة، وباتت تهدد مزيدا من العواصم العربية، وهو ما دفع الأردن للتفكير في إحياء المعارضة السورية المسلحة على حدوده لتحل مكان قوات النظام وإلى التنسيق مع إسرائيل لمكافحة الوجود الإيراني المتصاعد على حدوده، ومع قاعدة التنف الأميركية، وأخيرا دعم قيام حلف ناتو شرقي أوسطي، وهو تفكير يتقاطع مع طروحات مشابهة جرى الترويج لها في الفترات الأخيرة، باتجاه تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران.
وبطبيعة الحال، تدرك الإدارة الأميركية هذه الهواجس، بل وتعمل على توظيفها لخدمة أجندتها المتداخلة إلى حد بعيد مع الأجندة الإسرائيلية، وتركز على جزئية التطبيع العربي مع إسرائيل بحجة مواجهة إيران، وستكون السعودية كما يبدو هي عنوان الضغوط الأميركية خلال جولة بايدن، بعد أن قطع التطبيع شوطا مهما مع بلدان أخرى عديدة مثل الإمارات والبحرين والمغرب.
والواقع أنه ليس لدى إدارة بايدن ما تقدمه لمعالجة أيٍّ من الهواجس العربية سواء ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، حيث أبقت الإدارة على كل الخطوات المنحازة لإسرائيل التي اتخذتها إدارة ترامب السابقة، وليس في جعبتها أية مبادرات لتنشيط العملية السياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. كما أن هذه الإدارة التي ستطالب دول الخليج وخاصة السعودية برفع إنتاجها من النفط لمعالجة الركود العالمي بعد العقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا، لم تقدم أي التزام في المقابل لتلك الدول بحماية أمنها القومي من التهديدات الإيرانية المباشرة أو عبر الحوثيين.
والخلاصة إن جولة بايدن لن تسفر على الأغلب عن أية تغييرات ذات معنى في السياسة الأميركية غير المبالية بمصالح أهل المنطقة، وربما تحاول فقط تلطيف أساليب إدارة ترامب الفجة في التعامل مع قادة المنطقة، وسيظل رهانها الأساسي هو التوصل إلى تفاهمات مع إيران، ودفع العرب إلى مزيد من التطبيع المجاني مع إسرائيل، فضلا عن تأمين مزيد من إمدادات الوقود إلى السوق العالمية.
المصدر: تلفزيون سوريا