الطريق
تؤثر الأزمة الأوكرانية سلبا على الاقتصاد التركي، ومع بدء الهجوم الروسي انخفضت العملة التركية، مع تراجع لمؤشر "BIST 100" في بورصة إسطنبول نحو 9 بالمئة.
وتثير المخاوف من تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا على قطاع الغاز الطبيعي، والقمح والسياحة في تركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية.
وانخفضت الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي نحو 3 بالمئة، لتسجل 14.50، فيما ارتفعت قيمة الذهب نحو 8 بالمئة، ومع ساعات الصباح تراجع مؤشر "BIST 100" في بورصة إسطنبول نحو 7.6 بالمئة، ليصل 9 بالمئة مع الساعة 15:20 بالتوقيت المحلي.
وسجلت أسهم الخطوط الجوية التركية و"بيغاسوس" تراجعا نحو 10 بالمئة، فيما ارتفعت فوائد السندات بشكل حاد.
ويرى الخبراء أن الاقتصاد التركي من بين الدول الأكثر تضررا من الحرب في أوكرانيا.
ويقدر الخبراء بأن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي مع محاولة الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات التركية، وتقليل عائدات السياحة، والتأثير على الحسابات المتعلقة بميزان الحساب الجاري، وهذا الوضع سيؤدي إلى خسارة الليرة التركية والأصول المقومة بالعملة المحلية.
الخبير التركي مته سوهتا أوغلو، في حديث لـ"عربي21"، وحول الموقف التركي تجاه الأزمة، أشار إلى أن هناك العديد من نقاط التعاون بين أنقرة وموسكو، لا يمكن المجازفة بها.
وذكر على سبيل المثال، أنه وفقا لتقرير هيئة تنظيم سوق الطاقة (EMRA)، تم شراء 33.6 بالمئة من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي من روسيا في عام 2020.
ولفت إلى أن روسيا تعدّ مصدرا لبعض الاحتياجات الأساسية المهمة لتركيا، مثل واردات القمح.
وأوضح أنه في عام 2021، استوردت تركيا 6.7 مليون طن من القمح بقيمة 1.8 مليار دولار من روسيا، وأدى ذلك بدوره إلى زيادة حصة روسيا في إجمالي واردات تركيا من القمح ومنتجاته إلى 66 بالمئة.
وعلى الصعيد السياحي، لفت إلى أن تركيا كانت تتوقع تدفق السياح من روسيا مع أشهر الربيع، ما يسهم في تدفق نقدي في ظل الأزمة الاقتصادية.
وأشار إلى أن تركيا قد تشارك في العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والغرب، من خلال إيجاد مساحة مشتركة، دون أن تلحق أي ضرر بعلاقاتها مع روسيا اقتصاديا.
الخبير الاقتصادي أنور إركا ، أشار إلى أنه في ظل المخاطر الجيوسياسية، قد تتأثر الأرصدة التضخمية في تركيا، وبالتالي ملف الاقتراض الخاص بها بشكل سلبي.
وأضاف في تقرير لصحيفة "سوزجو"، أن "روسيا شريك اقتصادي مهم لتركيا من ناحية السياحة، وتدفق الغاز، مشيرا إلى أنه رغم تباطؤ حركة صرف العملة مع الودائع المدعومة بالعملة الأجنبية، فإن التأثيرات الإضافية الناجمة عن أسعار الطاقة قد تشكل خطر على التضخم، وتؤثر سلبا على ميزان الحساب التجاري".
وذكر أن التأثير السلبي لإيرادات السياحة قد يزيد من إجهاد احتياجات تركيا من النقد الأجنبي، مضيفا: "مع ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، قد ينخفض التدفق المتوقع للأموال من قطاع السياحة إلى ما دون التوقعات، وقد يزداد الضغط السلبي على الليرة على المدى القصير".
وتابع بأن الزيادة في الطلب على السلع الأساسية في الأسواق العالمية، تشير إلى أن توقعات تضخم التكاليف ستزداد أيضا بسرعة على المدى القصير إلى المتوسط.
وأكد إركان، أن البنك المركزي التركي سيحتاج إلى مراجعة افتراضاته وتوقعاته فيما يتعلق بسلوك التسعير قصير الأجل ومتوسط المدى، ونحن نعتبر أن نقطة توازن التضخم قد تكون أعلى من الافتراضات السابقة".
الاقتصادي التركي مراد كوبيلاي، ذكر أنه قد تكون هناك مشاكل في الغاز الطبيعي والقمح بالنسبة لتركيا ليس على صعيد الإمدادات والعرض، بل بسبب زيادة الأسعار.
وأضاف أنه رغم وجود مصدر قلق كبير بالنسبة لإمدادات الغاز الطبيعي، فمن المحتمل ألا تكون هناك مشكلة؛ لأن روسيا تريد الحفاظ على العلاقات مع تركيا، كما أنها بحاجة إلى العملات الأجنبية، لافتا إلى أنه قد لا يكون هناك مشكلة في مبيعات القمح لأسباب إنسانية.
وذكر أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والقمح عالميا، سيؤثر على زيادة فاتورة الواردات التركية في ظل استمرار تدفق السلع.
وأوضح أن الصادرات التركية قد تنخفض في ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا، بسبب العقوبات أو معضلة في عملية النقل، منوها إلى أن صادرات تركيا إلى أوكرانيا بلغت 2.9 مليار دولار، وروسيا 5.6 مليار دولار في عام 2021.
ويتمثل الخطر الأكبر في القطاع السياحي لتركيا في حال عدم وجود سيّاح من الدولتين بسبب الحرب، بحسب الخبير الاقتصادي، الذي أشار إلى أن الانخفاض السياحي قد يؤثر على "النموذج الاقتصادي الجديد".
ووفقا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة، استضافت تركيا 24.7 مليون سائح أجنبي في عام 2021، منهم 4.7 مليون من روسيا، و 2.1 مليون من أوكرانيا.
وبلغت حصة روسيا وأوكرانيا في إجمالي عدد السياح الأجانب القادمين إلى تركيا في عام 2021، نحو 27.34 بالمئة، وكان هذا الرقم 24.55 بالمئة في عام 2020، و19 بالمئة في عام 2019.
والأزمة بين روسيا وأوكرانيا قد تشكل خطرا على عائدات السياحة التركية، التي بلغت 24.5 مليار دولار العام الماضي، وتسعى لتحقيق رقم أعلى بكثير هذا العام.
واتسع العجز التجاري في كانون الثاني/ يناير على أساس سنوي بنسبة 241% إلى 10.4 مليار دولار، وفقا لبيانات وزارة التجارة التركية.
وارتفعت واردات المواد الخام (السلع الوسيطة)، بما في ذلك منتجات الطاقة بنسبة 70.7 بالمئة، لتصل إلى 23.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، ما ساهم في زيادة عجز التجارة الخارجية.
وزادت فاتورة واردات "الوقود والزيوت المعدنية" -وهو مؤشر على فاتورة الطاقة في تركيا- التي انخفضت إلى 28.9 مليار دولار في عام 2020 بنسبة 74.62 بالمئة، لتصل إلى 50.5 مليار دولار في عام 2021.
وستؤدي أسعار النفط وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى زيادة جديدة في فاتورة استيراد الطاقة لتركيا في عام 2022.
الخبير التركي مته سوهتا أوغلو نوه في حديثه لـ"عربي21"، بأنه عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، فرضت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أيضا عقوبات، ومع ذلك أعلنت تركيا أنها "ضدها من حيث المبدأ" ولم تشارك فيها.
ولفت إلى أن العلاقات التركية الروسية الآن أكثر متانة، وتذّكر أنقرة حلفاءها الغربيين بأن العقوبات التي فرضت في عام 2014 لم تسفر عن أي نتائج، وتشدد على أن التوترات يمكن حلها ليس عن طريق العقوبات، بل عن طريق الدبلوماسية.
ونوه إلى أن تركيا تؤكد لحلفائها أن فرضها عقوبات على روسيا لن يكون له أي تأثير، ولن تشكل عنصر ضغط على روسيا، في ظل عدم فعالية العقوبات التي تفرضها المراكز المالية الأوروبية والأمريكية والبريطانية، وتشدد على ضرورة تقديم الدعم لأوكرانيا.
وأضاف أن استمرار العلاقات بين تركيا وأوكرانيا، والدعم المقدم لجيش كييف في مجال الصناعة الدفاعية وفقا لمسؤولين أتراك، أهم بكثير من الانضمام إلى العقوبات، والتي سيكون لها تأثير طفيف للغاية وتلحق أضرارا أكبر لتركيا.
المصدر: صحيفة "عربي21"