ياسر أبو هلالة
لا علاقة لبشار الأسد الذي كان يحضر القمم العربية ويحاضر فيها ببشار الأسد الذي يصرُّ عربٌ على إعادته إلى جامعة الدول العربية. كان بشّار في عشريته الأولى من 2000 إلى 2011 زعيماً يحظى بشعبية، في سورية وخارجها، فهو بمعايير حقوق الإنسان أقل قسوةً من أبيه، ولم تسجّل في قيوده مجازر ومفقودون. وبمعايير القضايا العربية اتخذ مواقف تحظى بشعبية، وقف ضد العدوان على العراق، ودعم المقاومة العراقية التي كانت دمشق مقرّاً "سرّياً" لها، بما فيها الفصائل السلفية، وحتى القاعدة. على خلاف والده الذي تحالف مع إيران في حربها على العراق، وشارك في حرب الخليج الثانية تحت القيادة الأميركية في حفر الباطن. وفي القضية الفلسطينية، واصل سياسة والده في دعم المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وكانت دمشق مقرّاً لقيادة حركة حماس السياسية والعسكرية. وفي حرب تموز (يوليو 2006) وقف إلى جانب حزب الله، وهاجم الزعماء العرب الذين وقفوا ضد الحزب، ونعتهم بأنّهم "أشباه الرجال".
على مستوى بناء الدولة السورية، أبعد بشّار حزب البعث، وقرّب حزب رجال الأعمال، وصنع نخبةً سياسيةً من الشباب ورجال الأعمال الفاسدين بديلاً لديناصورات حزب البعث. وحرّر الاقتصاد السوري بعيداً عن القيم الاشتراكية، وبأسوأ الصيغ الليبرالية المافيوية. ذلك كله صنع له شعبية أيضاً، فأنت تحصل على شبكة جوّال وإنترنت ومقاهٍ وفنادق وتجارة مفتوحة، وفي الذاكرة كيف كان السوريون في الخارج يجلبون الموز ومحارم الورق هدايا في ظلّ نظام اشتراكي صارم.
حافظ بشار الأسد، مقابل تفكيك حزب البعث وواجهاته البيروقراطية ونهجه الاقتصادي، على المنظومة الأمنية والعسكرية، ورفع من كفاءتها. وكان يشكو لخاصّته من أنّ والده لم يترك له جيشاً محترفاً متطوّراً، وأسلحةً كثيرة لم تكن تعمل أو لا ذخائر لها. وهذا أيضاً حافظ على مكانة الرئيس ونظامه.
ذلك كلّه انتهى مع العشرية الأولى، مع الهتاف الأول للثورة، انتهت صورة بشار المشرقة، وأخذ أسوأ ما في إرث أبيه، معطوفاً عليها سيئاته الخاصة. فتح سجّلاً للجرائم ضد الإنسانية، تفوّق فيه على والده وعلى هتلر. لم تبقَ رذيلةٌ لم يتورّط فيها، كيميائي وبراميل وتعذيب وحشي وأرض محروقة و... وذلك كلّه بإثباتاتٍ قطعيةٍ تلغي شرعية أيّ حاكم. انتهى حزب البعث تماماً، وحلّت مكانه مليشيات طائفية تعادي العروبة، من إيران والعراق وباكستان وأفغانستان، فضلاً عن حزب الله. حتى التدخل الروسي أخذ نزعةً طائفيةً من خلال صور مباركة القساوسة الطيارين والجنود الذين يحرقون سورية بشراً وحجراً. والبلاد تحوّلت إلى تقاسم نفوذٍ بين الإقليم والعالم، حتى إسرائيل حوّلتها إلى مناطق ألف التي تسمح بمطاردةٍ ساخنةٍ في أي منطقةٍ، وأخيراً قصفت في معقل النظام في اللاذقية، وبجوار الوجود الروسي في قاعدة حميميم رقيباً لا حسيباً.
في القضية الفلسطينية، غادرت "حماس" مبكّراً، وتحوّلت "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" وغيرها من الفصائل إلى شبّيحة لا تختلف عن مليشيات النظام، وصار النظام يطرح نفسه حامياً لحدود إسرائيل من الإرهابيين، وغاية مناه استقبال أبرز المطبّعين عبد الله بن زايد بحفاوة. ولم يعد يطرح لا قضية الجولان ولا غيرها.
انتهت طبقة رجال الأعمال النيوليبرالية، وحلّت مكانها مافياتٌ بدائيةٌ محترفةٌ في تهريب الكبتاغون والمخدّرات والسلاح والآثار وموجودات الدولة ونهب مقدّراتها وخطف الناس وأخذ الفدية وتجارة الوثائق الرسمية. صارت سورية أكبر مصدّر للكبتاغون في العالم، والمصدر الأساسي للعملة الصعبة فيها... تماماً كما انتهت المنظومة الأمنية والعسكرية لصالح أمراء حربٍ يتبعون إيران وروسيا بشكل مباشر، ولكلّ جهاز مرجعيات خارج البلاد.
هذا الخراب كله بعد تهجير نصف السكان وقتل أكثر من نصف مليون يقف على رأسه بشار الأسد، وهو لا علاقة له لا بإرث والده الذي حاول بناء دولةٍ قومية، ولا ببشّار نفسه في عشريته الأولى، واليوم هو مجرد رمز لكلّ هذا الخراب، ولا يملك أمراً على مليشيا تعيث فساداً بجوار قصره، ولا يملك قدرةً على طرد أميركي ولا تركي ولا إيراني ولا عراقي ولا روسي، فضلاً عن الدواعش. رمز الخراب والتقسيم والضياع يشين كلّ من يدعوه أو يقف بجانبه. والسؤال ليس ما علاقة بشّار بسورية، بقدر ما هو ما علاقة جامعة الدول العربية بالعرب... تحضُر عندما يُفترض أن تغيب، وتغيب عندما يُفترض أن تحضُر.
المصدر: صحيفة "العربي الجديد"