ناصر السهلي
الإعلان عن "هروب" رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام السوري بشار الأسد، من باريس إلى دمشق، يُذكّر بدرجات الاستهزاء من الضحايا والعدالة. فعلى الرغم من أن المستويين الحقوقي والصحافي، العربي والغربي، لم يبخلا بتوثيق جرائم هذا الرجل، لتثبيت الحكم العائلي الأسدي، بقي رفعت الأسد يتمتع في الغرب بما نهبه من جيوب السوريين، من دون مساءلة عن الجرائم المقترفة طيلة 40 عاماً. ويطرح ذلك ألف سؤال حول حقيقة حماية النظام السوري، أقلّه منذ عام 1971.
العودة إلى مسارح الجريمة، لا تخص السوريين فحسب، ضحايا مذبحتي سجن تدمر ومدينة حماة على الأقل، بل فيها تذكير أيضاً بغزوات "فرسان القائد" في نزع صنابير مياه بيوت وفنادق اللبنانيين، وخطف مواطنيهم، واستهداف المقاومة الفلسطينية، وإرسال فرق الاغتيال إلى الأردن لاستهداف قمّة هرم سلطتها، والمتفجرات إلى دول الخليج.
قد يصعب على غير السوريين تصديق مشاهد القتل والصفع والسحل، وإهانة نساء دمشق بنزع أغطية رؤوسهن، وسط قهقهة "سرايا الدفاع" و"المظلّيين"، في ثمانينيات المدينة الكئيبة، وبقية مدن "سورية الأسد". ففيها تأسست طبقية من نوع آخر: رعية "مملوكون"، يفترض أنهم الشعب، ورجال النظام والعائلة، كـ"أسياد" لا يُسألون عما يفعلون، باسم نظرية "الصمود والتصدي"، آنذاك. والصور لا تختلف كثيراً في 2021، إلا في الأدوات، وتحت ذات النظرية.
القصة ليست بانحدار نقاش ما إذا وقعت الجرائم، وعن عدد الضحايا في حماة، بل في الجريمة ذاتها. فمساعي التغطية عليها متواصلة، مثلما حاولوا مع ابن شقيقه بشار الأسد، بالتغطية على مذابح السلاح الكيميائي بتسليم أدواتها، والسعي إلى "إعادة تأهيل" مرتكبها، كـ"ضرورة"، تعبّر عن قبح الانتهازية السياسية، وتبدية المصالح على الحقوق والعدالة. وما تقدمه رسائل تهريب رفعت، أن الدوس على العدالة مستمر، حين يتعلق الأمر بجرائم الديكتاتوريات الدموية، والقول للسوريين والعرب: "أنتم لا تستحقون العيش في دول القانون والحريات".
إجمالاً، باريس، صاحبة الضجيج الأعلى أوروبياً عن القيم والحريات، تختصر مرة أخرى نفاق شعارات القارة وممارستها، بإشغال العقول حول طريقة خروج المُدان رفعت الأسد. لم لا؟ وباريس نفسها كانت بوابة "إعادة تأهيل" نظام الأسد، بمال عربي، بعيد جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري.
الإصرار على الدفع بأهل المنطقة نحو حافة الإحباط والقهر، بتعزيز تحويل دولهم إلى حقول تجارب للطغيان، لن يترك في الذاكرة الجمعية سوى المزيد من تعقيد علاقة "الجيران"، بإمعان السياسات الغربية على القول: "ليس لكم سوى اليأس... نعم، نحن مشاركون في الجرائم"، وتلك أخطر رسالة تستقبلها ذاكرة شعوب المنطقة.
المصدر: صحيفة "العربي الجديد"