إسماعيل ياشا
لم يبق لموعد إجراء الانتخابات المحلية في تركيا غير حوالي عشرة أيام، ويبذل المرشحون آخر جهودهم لإقناع الناخبين المترددين بضرورة التصويت لصالحهم في 31 آذار/ مارس القادم. ويتوقع أن تشهد مدينة إسطنبول أشرس منافسة ديمقراطية في هذه الانتخابات، ومن المتوقع أن تتجه أنظار المتابعين للشأن التركي لمعرفة من سيدير بلدية هذه المدينة العريقة خلال السنوات الخمس القادمة.
علماء الجيولوجيا وخبراء الزلازل يحذرون من أن زلزالا مدمرا قد يضرب إسطنبول في أي لحظة، وبالتالي يجب أن تتخذ الحكومة والسلطات المحلية كافة التدابير اللازمة في المدينة استعدادا لذاك الزلزال، من أجل تقليل الخسائر المادية والبشرية. وتأتي مشاريع التحول العمراني لهدم المباني القديمة المتهالكة وبناء مبان جديدة مقاومة للزلازل، على رأس تلك التدابير.
رئيس بلدية إسطنبول ومرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، تعهد خلال حملته الانتخابية قبل خمس سنوات بأنه سيجعل المدينة مستعدة لمواجهة خطر الزلازل خلال خمس سنوات، إلا أنه يقول الآن إن حل المشكلة لم يكن ممكنا في خمس سنوات فقط. وكان آنذاك تعهد ببناء 100 ألف شقة سكنية جديدة في إطار مشاريع التحول العمراني، ولكنه لم يبن غير أقل من 6 آلاف شقة سكنية.
إمام أوغلو في برنامج تلفزيوني ذكر أكثر من مرة أنه "لا يتذكر"، ردا على سؤال المذيع عن بعض وعوده السابقة المسجلة بالصوت والصورة، لأنه لا يستطيع أن يقول بكل صراحة إنه لم يف بوعده. وتكرر ذات المشهد في حواره مع صحفي آخر، ليعكس مدى ارتباك مرشح حزب الشعب الجمهوري أمام الحقائق التي تكشف أنه خلال خمس سنوات لم ينجز مما وعد به إلا اليسير.
التنافس في إسطنبول سيكون بين مرشح حزب العدالة والتنمية، مراد قوروم، ومرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو. ومن الناحية النظرية، يتفوق قوروم على إمام أوغلو بما يملك من مؤهلات وخبرات ومصداقية، كما أن الأخير فشل في خدمة إسطنبول خلال رئاسته للبلدية، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيتي المرشحين متقاربتين. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "من أين يستمد إمام أوغلو هذه الشعبية؟"
شعبية إمام أوغلو تعتمد أولا على انتمائه إلى حزب الشعب الجمهوري، لأن معظم المؤيدين لهذا الحزب يصوتون لمرشحه لأسباب أيديولوجية، مهما كان فاشلا وغير مؤهل لرئاسة البلدية. وعلى الرغم من أن أنصار حزب الشعب الجمهوري كانوا وما زالوا يستصغرون الناخبين المتدينين، ويصفونهم بــ"الخرفان"، ويتهمونهم بالتصويت لمرشحي الأحزاب المحافظة بشكل أعمى، إلا أنهم هم أنفسهم يصوتون لمرشحي حزب الشعب الجمهوري، حتى لو كان ذاك المرشح "شبشب حمام"، كما يعترفون.
رئيس بلدية إسطنبول يراهن أيضا في هذه الانتخابات على أصوات الناخبين الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني. وهناك مرشحة لحزب الشعوب للمساواة والديمقراطية لرئاسة بلدية إسطنبول، إلا أن هذا الحزب شكل تحالفا مع حزب الشعب الجمهوري في بعض المدن، على رأسها إسطنبول، تحت مسمى "تحالف المدينة"، وبموجبه يدعم إمام أوغلو في مقابل ترشيح حزب الشعب الجمهوري شخصية مقربة منه لرئاسة بلدية قضاء أسنيورت بإسطنبول، بالإضافة إلى ترشيح آخرين ممن يوالونه لعضوية المجالس البلدية ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري. ومن الملاحظ أن مرشحة حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية لرئاسة بلدية إسطنبول، ميرال دانيش بشطاش، تقوم بحملة انتخابية وكأنها تعمل لصالح إمام أوغلو.
إمام أوغلو منذ توليه لرئاسة بلدية إسطنبول، سخّر ميزانية ضخمة للدعاية والترويج لنفسه، سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعي. كما يدور الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية حول نجاحه في إسقاط رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق، كمال كليتشدار أوغلو، وتمكين أوزغور أوزل من الفوز برئاسة الحزب، من خلال شراء ذمم عدد من الأعضاء الذين يحق لهم التصويت لانتخاب رئيس الحزب.
خوض بعض الأحزاب، كحزب السعادة وحزب الرفاه الجديد، الانتخابات المحلية في إسطنبول بمرشحيها يخدم إمام أوغلو؛ لأن مؤيدي تلك الأحزاب قد يصوتون لمرشح حزب العدالة والتنمية إن لم يكن هناك مرشحون يخوضون السباق الديمقراطي باسم أحزابهم. كما أن بعض الجماعات الدينية تدعم رئيس بلدية إسطنبول، كجماعة فتح الله كولن، وجماعة "يني آسيا" المحسوبة على الجماعات النورسية، وجماعة "سليمانجيلار".
إمام أوغلو مدعوم من قبل برجوازية إسطنبول، ووسائل إعلام غربية، وسفارات دول أوروبية، كما يصوت له بعض الناخبين الذين هاجروا هم أو آباؤهم من مناطق البحر الأسود من منطلق المناطقية، علما بأن إمام أوغلو من مواليد محافظة طرابزون. إضافة إلى ذلك، هناك نسبة من الناخبين يُتوقع أن يصوتوا له نكاية بحزب العدالة والتنمية، بسبب انزعاجهم من أداء الحكومة التركية وقراراتها.
الشركات الموالية لحزب الشعب الجمهوري تنشر نتائج استطلاعات للرأي تظهر تقدم إمام أوغلو على منافسه، قوروم، بفارق قليل، إلا أن استطلاعات الرأي التي تجريها تلك الشركات تفتقر إلى المصداقية، لأنها كانت تظهر كليتشدار أوغلو متقدما على أردوغان بفارق كبير قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
المصدر: عربي21