فراس رضوان أوغلو
بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية وفوز ائتلافه بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يمكن القول إن خطاب العنصرية ضد السوريين هدأ نسبياً مقارنة بما كان عليه قبل الانتخابات وأثنائها، ومما زاد في هذا الهدوء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فاستخدام خطاب الكراهية ضد السوريين أو العرب لن يعود بالنفع السياسي لهم بل على العكس لأن القضية الفلسطينية العربية لها ثقلها السياسي والديني في تركيا.
مما لا شك فيه أن خطاب القومية أمر لا بد منه عند الأحزاب القومية أو ذات النفس القومي مثل حزب الشعب الجمهوري من أجل الحفاظ على قاعدتها الجماهيرية، ومن جهة أخرى تهرباً من إفلاسها البرامجي التنموي مقارنة مع أحزاب أخرى سبقتها نوعا ما في هذا المجال، ولعل دلالات نتائج فوز ائتلاف الجمهور بقيادة أردوغان أرخى بظلاله على كل أحزاب المعارضة السداسية التي تفرقت وراح كل حزب يسعى للنجاة بنفسه سياسياً عبر إظهار مرشحه الخاص ومشاريعه الخاصة.
ميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد صاحبة الشخصية القوية أعادت فتح ملف السوريين في خطاباتها السياسية أثناء إفصاحها عن برنامج حزبها الانتخابي في انتخابات البلدية، وبأنها لن تسمح للمهاجرين واللاجئين بإنشاء مناطق عرقية أو قطاعات خاصة بهم وأن من يتم الموافقة عليه بالبقاء لابد من تتريكيه، وأنها لن تسمح بإنشاء سوريا مصغرة في أي حي أو مدينة من المدن التركية، ومما يجب الانتباه له أن حزب الجيد أخذ بالتوسع على عكس باقي الأحزاب فهو حصل على 43 مقعداً في البرلمان التركي وقواعده الجماهيرية آخذة بالتوسع مقارنة بالسنوات الماضية مما يعني أن خطاب القومية للسيدة أكشنار يعطي نتائج إيجابية، وربما رهانها على المستقبل وخاصة أن الرئيس أردوغان لن يترشح للانتخابات مرة أخرى فالانتخابات السابقة كانت الأخيرة له قانونياً.
تصريحات مثل هذه من ثاني أكبر أحزاب المعارضة بعد حزب الشعب الجمهوري ستعطي دفعاً للأحزاب القومية الصغيرة الأخرى مثل حزب النصر برئاسة أوميت أوزداغ لزيادة خطاب الكراهية ضد السوريين وحتى العرب، واستخدام هذا الأمر كتكتيك انتخابي من أجل استقطاب أصوات ناخبين ناقمين على الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا، محملين التواجد السوري في تركيا سبب هذا التردي وخاصة في مدينة إسطنبول بيت القصيد عند كل الأحزاب، فورقتي إعادة إعمار المدينة ومواجهة تحديات الزلزال المنتظر قد تكون متساوية بين طرفي المنافسة القويين مرشح حزب العدالة والتنمية ومرشح حزب الشعب الجمهوري الرئيس الحالي لبلدية إسطنبول، لكن بكل تأكيد الكفة لن تكون متساوية عند استخدام ورقة القومية وتواجد ثلاثة ملايين سوري لأنها ستميل لصالح المعارضة، وهذا ما تريده الآن هذه الأحزاب وفي هذا التوقيت مع اقتراب موعد الانتخابات لتشتيت الرأي العام وسحب ما يمكن سحبه من الأصوات من أجل التصويت لصالح أي مرشح من مرشحي المعارضة، التي لم يبق لها سوى الفوز بانتخابات البلدية وعلى وجه الخصوص أنقرة وإسطنبول.
مهما كانت نتيجة انتخابات البلديات في تركيا لا يمكن البناء عليها على أن وضع اللاجئين السوريين أو حتى المقيمين سوف يتغير أو أن مشاكلهم سوف تصبح أقل أو تتلاشى، فتأثير خطاب المعارضة ترك آثاراً واضحة عند الحكومة التركية الفائزة بالانتخابات من حيث التشدد في إجراءات منح أذونات الإقامة أو بطاقات الحماية المؤقتة، ومن جهة أخرى التعقب الحثيث للمهاجريين غير الشرعيين وخاصة أن تركيا أصبحت طريقاً لهم للعبور نحو أوروبا أو البقاء فيها، فالمشكلة لا تكمن عند السوريين وحدهم رغم تصريحات وزير الداخلية علي يرلي كايا بعودة 625 ألف سوري طوعاً لبلدهم (وإن لم يعجب هذا المعارضة) فالمشكلة تكمن في المهاجرين القادمين من بلدان أخرى مثل إيران وباكستان والهند و بنغلادش وأفغانستان، وخاصة أن تركيا متداخلة في كثير من ملفات المنطقة وأن قراراتها في السياسة الخارجية تنعكس على سياساتها الداخلية في ظل عدم وجود قوانين ضابطة للاجئين كما هو الحال في أوروبا.
المصدر: تلفزيون سوريا