فراس رضوان أوغلو
الحوثيون في فرض معادلتهم السياسية خارج صندوق اليمن السياسي المحلي، وباتوا جزءاً من معادلة أكبر تشمل المنطقة برمتها، فموقعهم الاستراتيجي أولاً، وما يجري في غزة ثانياً استغله واستفاد منه الحوثيون بطريقة ذكية، وسواءً قبلنا أم لم نقبل فقد باتوا رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في تلك الحدود الواسعة الممتدة من تركيا شمالاً حتى اليمن جنوباً.
الحوثيون اليوم لم يعودا يتكلمون في قضايا يمنية محلية فقط بل باتوا يوجهون رسائل لدول في الإقليم وللعالم بأسره، وهذا يعد تطوراً لافتاً لهم بل نجاحاً على الصعيد الإعلامي، فاليوم باتت شركات النقل البحرية الكبرى تخشى المرور من مضيق باب المندب، وبات الجميع يستمع لأي تصريح يخرج من تلك الجماعة لأن الأمر أصبح متعلقاً بجزء كبير من حركة الملاحة العالمية التي بكل تأكيد لها تأثير مباشر على أوضاع التجارة العالمية، وما أدلى به الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام بأن عملياتهم في البحر الأحمر لها تأثير اقتصادي كبير على إسرائيل، وأن الهدف من هذه العمليات هو فك الحصار عن غزة، ووقف العدوان عليها، وأن العمليات موجهة ضد السفن المتجهة من وإلى إسرائيل أو التي تملكها تل أبيب لا يمكن اعتباره إلا انتقال لعمل عسكري وسياسي فاعل في المنطقة كلها، وأن تصريحاً مثل هذا لجماعة كانت قضيتها في أقصى حد إثبات نفسها على الأرض اليمينة يعد تحولاً كبيراً في النهج الخطابي لها، ما يدل على تغير في الفكر الاستراتيجي ملامس لإحساس الشعور العربي الغاضب لما يحصل من قتل ودمار وتهجير في غزة، وأن ما يقومون به نوع من أنواع البطولات التي تثبت التآخي العربي والإسلامي في القضية الفلسطينية حتى أن الناطق باسم كتائب القسام أبا عبيدة قد شكرهم في إحدى خطاباته المتلفزة.
الكل يعلم أن الحوثيين جزء من استراتيجية الاحتواء التي تقوم بها إيران لزيادة مناطق نفوذها حتى تتطوق المنطقة برمتها (من العراق ولبنان واليمن وسوريا) إضافة إلى وجودها الجغرافي المهم بحد ذاته المطل على منطقة الخليج أو بحر العرب وحتى المحيط الهندي، وبذلك تستطيع إيران أن تدير الصراع مع الغرب مستخدمةً التهديد المباشر لإسرائيل أو ضرب المصالح الغربية في دول المشرق العربي، وسواء كان الحوثيون بيدقاً بيد إيران أم لا بات رقمهم في اليمن وفي المنطقة من الأرقام الصعبة، وهذا ما جعل إسرائيل تطالب بإيجاد تحالف دولي لحماية السفن المارة في البحر الأحمر، وهو دليل على التأثير السلبي الواقع عليها من أعمال الحوثيين ضد السفن المارة لإسرائيل، وأيضاً ما وراء الأكمة أن إسرائيل لا بد أن تكون جزءاً من هذا التحالف وهذا يعني أنه نوعٌ من أنواع السيطرة غير المباشرة على البحر الأحمر وتغيير معادلة الصراع مع الإيرانيين.
وبقراءة ثانية مغايرة يمكن عد ما قام به الحوثيون خدمة جلية للغرب، بإيجاد ذريعة قانونية لوجود بوارجهم الحربية في المنطقة، وتكثيفها وتحميل فاتورة حماية السفن التجارية لدول المنطقة، علاوة على رسائل التهديد المباشر وغير المباشر لتلك الدول، وبدلاً من أن يكون البحر الأحمر وقناة السويس مناطق آمنة من أجل زيادة الملاحة البحرية وما تجلب من نمو وأرباح وحتى استثمارات، تحولت إلى منطقة غير مستقرة وأن الكثير من شركات الملاحة والسفن ربما تغير وجهتها نحو أماكن أخرى، ولكن في كلتا الحالتين يمكننا القول إن الحوثيين نجحوا في خلق معادلة جديدة في المنطقة، ووضع رقمهم على طاولة السياسة العالمية سواء بالتوافق والاتفاق أو بالمعادة والخلاف وليكونوا رقماً سياساً صعباً وطويل الأمد في الحسابات السياسة للمنطقة.
المصدر: تلفزيون سوريا