أحمد مظهر سعدو
تمكنت انتفاضة السويداء برباطة جأش وتصميم لا ينقطع، ودأب يومي حثيث، من تجاوز عتبة المئة يوم، وهي أكثر وعيًا وطنيًا سوريًا ديمقراطيًا، ومن ثم إدراك واع للمسؤولية التاريخية التي وضعت نفسها بها، وتحملت مسؤوليتها باقتدار وإدراك حقيقي، منذ أن قرر أهل محافظة السويداء الالتحاق بثورة كل السوريين نحو الكرامة والحرية، وباتجاه بناء جدي لدولة المواطنة وسيادة القانون، في مواجهة كل أدوات السلطة الباغية، سلطة بشار الأسد وأدواته القمعية الفاسدة والمفسدة، وبقايا (الدولة السورية الفاشلة) دولة عصابات الأسد وكيانات الكبتاغون، التي أوصل بها وعبرها بشار الأسد البلاد والعباد إلى ما هي عليه من فوات كلي، فدمر اقتصاد الوطن وهجَّر ما ينوف عن ١٤ مليون سوري، تهجيرًا قسريًا، بين نازح إلى الشمال السوري، ومهجَّر قسري كلاجئ إلى كل بقاع الدنيا، وهو الذي اعتقل أكثر من ٩٠٠ ألف سوري منذ بداية الثورة السورية، بتهمة التظاهر ضده وطلب الحرية، وقتل أكثر من مليون منهم، وهدم معظم البنية التحتية السورية بما يزيد عن ٦٥ بالمئة من البنية التحتية السورية، ثم قوَّض أركان المجتمع السوري، ليساهم في خراب حقيقي للعديد من الأنساق المجتمعية في سوريا.
اليوم وبعد أكثر من مئة يوم على انطلاق انتفاضة السوريين في محافظة السويداء، في موجة جديدة ومتجددة للربيع السوري، ما زال أهل السويداء بعموم تركيبتهم السكانية، ومجمل هيئاتهم الشعبية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، أكثر إصرارًا على المضي قدمًا في مسارهم ومسيرتهم نحو إعادة رسم ملامح مشهد جديد للوطن السوري المخطوف من قبل آل الأسد، ومن جاء ليدعمهم من إيرانيين وروس، وما لحق بهم من ميليشيات استوطنت في الجغرافيا السورية، لتعيد قيامة النظام السوري، الذي كاد أن يسقط في سنوات الثورة الأولى، حيث تهاوت أركانه وتقوضت مداميك بنيان الدولة الأمنية، التي لم تحم الوطن يومًا، ولا قامت بإنجاز أي مهمة وطنية سورية صرفة، بل كانت وعلى الدوام تُمسك بمصالحها وتعض عليها بالنواجذ، وتعيد تمتين دولتها الأمنية، عبر كم الأفواه، وزج المخالفين لنظرتها السياسية، في زنازين القهر، ومعتقلات العسف الأسدي، في كل بقاع سوريا.
عندما خرج الناس في محافظة السويداء كانوا يُدركون أن التظاهر والاعتصام في وجه النظام القاتل، لن يكون سهلاً، وأن من يسلك طريقًا يلتمس فيه حرية وكرامة، قد يكون مصيره كما اعتاد السوريون منذ عام ١٩٧٠ الاعتقال أو القتل، أو التسريح من العمل، ومحاصرة الناس بلقمة عيشها وقوت يومها.. ومع ذلك فقد خرج أهل السويداء ليُسقطوا ورقة التوت عن الذريعة المدَّعاة، التي طالما حمل لوحتها نظام الأسد، وهي حماية (الطوائف والأقليات) وهي التي كانت وما زالت ادعاءً كاذبًا يُسهم شعب السويداء اليوم بتعريته وفضحه أكثر وأكثر مع الاستمرار بالانتفاضة، واجتراح حالات جديدة ومتجددة من أنواع الحراك الشعبي المتماسك والمعبر عن الروح الوطنية السورية، حيث عرف تاريخ سوريا الحديث والقديم مدى تمسك أهل السويداء وجبل العرب بها، ومن ثم قدرتهم على التعبير عن سوريتهم ووطنيتهم في مواجهة كل أنواع القمع وكم الأفواه، وكل سلطات الأمر الواقع من مستعمرين خارجيين أو داخليين، كما هو حال نظام الأسد منذ فترة الأب إلى زمن الابن.
ولعل تجاوز عتبة المئة يوم من قبل ثوار السويداء، وعدم السماح لكل أنواع التهديد التي قامت بها أجهزة السلطة من كبح إصرارهم على المتابعة، إنما يشير وبوضوح إلى أن إعادة صقل الوعي الوطني، والبناء عليه، والتمسك به، ووعي ماهية الانتفاض وكنهه ضد الحاكم المستبد، والاندماج بالحالة الوطنية السورية، يبين أن من كان يعتقد بقرب انفراط عقد ثورة السويداء، فقد كان واهمًا، وأن الوعي السياسي العميق الوطني لدى أهل السويداء هو في حالة تجذر وإصرار ومراكمة في البناء الميداني، والمضي باتجاه مد يد العلاقة إلى جل الساحات السورية، ناهيك عن أن من كان يراهن على طبيعة الحرب على غزة، وأنها قد تسهم في بعثرة الحراك في محافظة السويداء وتفتيته، وأن المآلات قد لا تكون ضمن بوتقة البقاء والاستمرار.. كل ذلك وسواه أثبت الواقع اليومي المنتفض في السويداء وجبل العرب أنه ما انفك باقيا في خضم الثورة ويتمدد على الدوام، وأن انتفاضة محافظة السويداء جزء لا يتجزأ من ثورة كل السوريين، وهي تدرك أن مآلاتها هي نفس مآلات ثورة السوريين التي انطلقت أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ وهي اليوم إنما تتموضع ضمن موقع المسؤولية الوطنية التاريخية التي تعي مالها وما عليها، من أجل حرية كل السوريين، وكنس مظاهر وتجليات الاستبداد الأسدي الذي لابد زائل، عاجلًا أم آجلاً، وهي مصائر كل ثورات الشعوب، التي لا بد منتصرة، حتى لو طال الزمن.. حيث لا بد من دمشق وإن طال السفر، أو طال أمد الانتفاض.
الانتباه إلى خطورة أي تسليح أو اشتراك من قبل الفصائل المسلحة بالانتفاضة الشعبية السلمية، لأن ذلك يعطي المبرر لأدوات النظام السوري بارتكاب المجازر، وإجهاض الانتفاضة
مع ذلك فلا بد من أن تدرك انتفاضة السويداء، خطورة أي استراحة لانتفاضة السويداء، دون الاشتغال والانتباه إلى كثير من المحددات ومنها:
أهمية العمل والتشبيك مع المحافظات الأخرى السورية المنتفضة والمشاركة في ثورة السوريين ضد نظام العسف الأسدي.
ضرورة إعادة فتح الحوار الواسع داخل الساحة في السويداء أولًا، بكل تكوينات الطيف السياسي، ريفًا ومدينة، وهيئات شعبية، وخاصة ممن مازالوا يترددون عن المشاركة بثورة وانتفاضة أهل السويداء.
الانتباه إلى خطورة أي تسليح أو اشتراك من قبل الفصائل المسلحة بالانتفاضة الشعبية السلمية، لأن ذلك يعطي المبرر لأدوات النظام السوري بارتكاب المجازر، وإجهاض الانتفاضة، وتعكير صفو وجمالية انتفاضة السويداء، وقد يوقعها بما وقعت به سواها قبل ذلك.
إلحاحية استمرار وتواصل الانتفاضة، وعدم انقطاعها، حتى تتمكن من تحقيق مرادها في الحرية والكرامة، مهما مورس عليها من الضغوط من قبل نظام الإجرام الأسدي.
وأخيرا أهمية وضرورة التواصل المباشر مع ثورة الجنوب في سهل حوران وكل محافظة درعا مهد الثورة السورية وشعلتها الوضاءة.
المصدر: تلفزيون سوريا