صحافة

عندما يحاضر بوتين بالشرف!

السبت, 21 أكتوبر - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

د. فيصل القاسم


أحياناً أقف مشدوهاً أمام تصريحات بعض زعماء العالم، وأتساءل: هل يعتقد هؤلاء الأفاقون الدجالون المنافقون أننا مغفلون وساذجون وأغبياء إلى هذه الدرجة كي يتقيؤوا علينا أكاذيبهم ودجلهم بهذه الخفة والميوعة؟

قبل مدة مثلاً أطل علينا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ليهاجم بقوة الغزو الروسي لأوكرانيا، مع العلم أن بوش نفسه هو الذي غزا أفغانستان والعراق ودمر البلاد وقتل وشرد ملايين العباد. وقد اقترف بوش زلة لسان فضحته على الفور على الهواء مباشرة، فبدل أن يقول: “الغزو الروسي لأوكرانيا”، قال: “الغزو الروسي للعراق”، وكأن الله عز وجل يذكره بأنه منافق وكذاب ودجال ولا يحق له أن يهاجم جرائم الآخرين، وهو غارق في الجريمة حتى أذنيه. رمتني بدائها وانسلت. واليوم يطل علينا الرئيس الروسي بنفس طريقة نفاق جورج بوش ليحاضر بالإنسانية والعدالة وليتحدث عن القانون الدولي وحقوق الإنسان. (شوفوا مين عميحكي). لا شك أننا نشكر بوتين عندما شبّه حصار غزة بحصار لينينغراد، ولا شك أننا نشد على يديه عندما اعتبر تهجير أهل غزة منافياً للقوانين الدولية، وأن التهجير جريمة كبرى. لا أحد يختلف معه هنا أبداً. لكن فليسمح لنا بوتين أن نذكره بأبيات أبي الأسود الدؤلي للمنافقين أولاً:

يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ… هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى… كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ… ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا… فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ…لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ.. عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ”.

هل تعتقد يا سيد بوتين أنك تستطيع ببعض التصريحات الديماغوجية أن تأكل بعقول العرب عامة والسوريين خاصة، حلاوة؟ لماذا تحاول أن تتذاكى على العالم ويداك تقطران دماً من كثرة الجرائم التي ارتكبتها في أوكرانيا وسوريا وغيرها؟ جميل أن تدين عمليات التهجير في غزة وتدعو إلى وقف إطلاق النار، لكن لماذا نسيت أو تناسيت أن وزير دفاعك الشهير تحدث عن تجريب أكثر من ثلاثمائة سلاح جديد على أجساد وأشلاء السوريين، وأنكم استخدمتم الأرض السورية كحقل تجارب لأسلحتكم المحرمة دولياً، وهذا أيضاً بشهادة وزير دفاعك ولا أحد غيره؟ وهل ينسى السوريون طائراتكم التي دمرت حتى مداجن الطيور، ولم تترك مسجداً أو مدرسة أو مستشفى إلا وحولته إلى ركام؟ وتأتي الآن لتذرف دموع التماسيح على أهل غزة. نعم إسرائيل تطالب بتهجير حوالي مليوني شخص في غزة، وهو عمل بربري بكل المقاييس، لكن ألم تتسبب أنت وعصاباتك بتهجير خمسة عشر مليون سوري يا بوتين؟ أليس من السخف أن تهاجم تهجير المدنيين، وفي تلك اللحظات كانت طائراتك تدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها في إدلب متسببة في نزوح عشرات الألوف من بيوتهم إلى العراء؟ في اللحظة التي كنت تدعو فيها إلى وقف إطلاق النار في فلسطين بمجلس الأمن، كانت عصاباتك تحرق الأطفال والنساء في الشمال السوري. ألا تخجل أن تتحدث عن التهجير، وأنت ملك التهجير بامتياز ليس في سوريا فحسب، بل في أفغانستان ومن بعدها في أوكرانيا؟


هل ينسى العالم يا بوتين أن جيشك الأحمر دمر أفغانستان في يوم من الأيام وقتل مئات الألوف من شعبها؟ هل نذكرك بخمسة ملايين أفغاني هجّرهم الجيش الروسي أثناء غزوه لأفغانستان ولا أحد يتحدث عنهم اليوم؟ رقم مخيف بكل المقاييس. لا شك أننا نشكر تصديك للبربرية الأمريكية والإسرائيلية إعلامياً، لكن هل تعتقد أننا مغفلون إلى هذا الحد كي تجعلنا ننسى ما فعلته بأهلنا في سوريا دفاعاً عن نظام فاشي مثل نظامك تماماً؟ أليس من السخف أن تحتفل أنت وجيشك سنوياً بعيد الانتصار على النازية، بينما أنت اليوم تحمي أفظع الفاشيين في العالم؟ هل يختلف ما فعلته وتفعله اليوم في سوريا وأوكرانيا عما فعله هتلر بروسيا ذات يوم؟ هل يحق لك أن تتحدث عن التهجير وأنتم اليوم تهجرون الشعب الأوكراني من دياره؟ كم عدد الأوكرانيين الذين فقدوا منازلهم واضطروا لهجرة وطنهم بسبب عدوانكم الآثم على شعب آمن؟ ألم يصل عدد اللاجئين الأوكرانيين إلى أكثر من عشرة ملايين لاجئ بعد غزوكم البربري لأوكرانيا؟

لا يسعنا في الواقع إلا أن نضحك بشكل هستيري عندما نراك يا بوتين أنت والأمريكيين تتبادلون الاتهامات. هم يهاجمون غزوك لأوكرانيا وسوريا، وأنت تهاجم غزوهم للعراق وأفغانستان. وهل خطآن يصنعان صواباً؟ هل يختلف احتضان أمريكا لإسرائيل وحمايتها والدفاع عنها في كل مكان بكل أنواع الأسلحة الحربية والإعلامية والاقتصادية عن احتضانك ودفاعك ووقوفك أنت مع النظام السوري في كل المناسبات؟ كم مرة استخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن للدفاع عن نظام الأسد وتبرير جرائمه وتهجيره لملايين السوريين؟ لماذا تناسيت أنك تدافع عن نظام قتل وهجر من السوريين والفلسطينيين أكثر مما قتلت وهجرت إسرائيل من العرب بمرات ومرات؟

في الختام سيد بوتين، نقول لك: العيال كبرت ولم تعد تنطلي عليها دموعكم الاصطناعية وخزعبلاتكم الإعلامية والسياسية المفضوحة، لهذا فعندما تذرف دموع التماسيح على غزة وأنت تهجّر السوريين والأوكرانيين بالملايين، وتسوي بلادهم بالأرض، فلن تحصل على تصفيق الشعوب المسحوقة، بل حسبك أن تنجو من بُصاقها ولعناتها.


المصدر: القدس العربي

الوسوم :