عمر كوش
الحرب التي يشنها ساسة إسرائيل وجنرالاتها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ليست رداً على "طوفان حماس"، وليست فقط حرباً ضد حركة "حماس"، أو من أجل "اجتثاثها"، بل تنحدر بشكل رهيب، ومبيّت له، إلى نمط من القتل الجماعي والإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة. إنها حرب إبادة محكومة بعقلية فاشية بربرية، فَقَد من يشنها ضميره الإنساني. والمخزي هو أن ينحدر ساسة الولايات المتحدة، وعدد من ساسة دول أوروبا، إلى ذات المستوى اللا إنساني، عبر وقوفهم إلى جانب كل ما تفعله إسرائيل وجيشها، وتأييدهم حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، سواء من خلال المجازر، أو عدم فعلهم أي شيء حيال منع إسرائيل الماء والغذاء والدواء والوقود عن أكثر من مليونين ونصف إنسان في قطاع غزة، فضلاً عن سياسة التهجير القسري العلنية، وذلك على الرغم من أن أولئك الساسة يعون جيداً، أن كلاً من الإبادة الجماعية والتهجير القسري هي جرائم وفق القانون الدولي، وعار أخلاقي دائم في جسد الإنسانية، ولا يوجد على الإطلاق أي ما يبرر ارتكابها بحق الفلسطينيين.
إنها بربرية اليمين العنصري الحاكم في إسرائيل، التي لم يتوان أصحابها، في مارس/ آذار 2003، عن إعطاء الأوامر لجيش الاحتلال بدعس الناشطة المدنية الأميركية، راشيل كوري، التي وقفت مع حق الشعب الفلسطيني في الحياة، وضد سلب أراضيه المحتلة لإقامة المستوطنات. وتظهر اليوم بوصفها استمراراً للعقلية البربرية المتوحشة لساسة إسرائيل الذين لم يتوقفوا عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين طوال عقود عديدة دون أن يسائلهم أحد. وتنهل هذه العقلية اللا إنسانية من وحل العقيدة الصهيوينة القائمة على اتباع نهج التطهير العرقي، وتشريد الفلسطينيين من بلادهم، واحتلال ما تبقى من وطنهم. وما الحرب التي تشنها إسرائيل في أيامنا هذه على قطاع غزة، تحت مسمى "السيوف الحديدية"، إلا استكمال لحروبها العدوانية التي لم تتوقف ضد قطاع غزة، منذ تنفيذ خطة فك الارتباط عام 2005، وتندرج تحت ذات العقيدة الأمنية لساسة إسرائيل وجنرالات حربها، التي تبيح لهم التصرف كما يحلو لهم، رافعين شعار "كل شيء في الحرب مباح"، الذي يبررون تحت يافطته استخدام جيشهم قنابل الفوسفور الأبيض في قصف المناطق السكنية في قطاع غزة، واستهداف الفلسطينيين بشكل عشوائي، وقطع الكهرباء والماء والوقود والطعام عنهم، ومنع وصول كافة السلع إليهم، وبالتالي، لن يكترثوا بمناشدات المؤسسات الأممية والحقوقية، الداعية إلى وقف سياسة العقاب الجماعي حيال سكان غزة.
ليس مصادفة أن يجري الحديث لدى بعض المتابعين عن أن إسرائيل تقوم بتنفيذ نموذج أو "قواعد حماة" على قطاع غزة
تكشف مشاهد القتل والدمار اليومية في قطاع غزة، التي تعرض على شاشات التلفزة، الشيء الكثير عن الحرب القذرة التي تخوضها الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتُذّكر السوريين بمشاهد القتل والدمار التي تعرّض لها الشعب السوري على يد نظام الأسد، لذلك ليس مصادفة أن يجري الحديث لدى بعض المتابعين عن أن إسرائيل تقوم بتنفيذ نموذج أو "قواعد حماة" على قطاع غزة.
غير أن ذلك كله، لا يعني عدم اتخاذ موقف من الحرب الإسرائيلية، أو بالأحرى إدانتها بوصفها عدواناً سافراً على الشعب الفلسطيني، أتى على أعمار آلاف الأطفال والنساء والرجال، وأصاب بشراً في أجساهم، وأدمى نفوسهم، بهدف إبادتهم، وتحويل غزة إلى ركام من الدمار بلا بشر. ولا يخفى أيضاً أن الشرارة الأولى كانت جراء عملية "طوفان حماس" التي قتلت وأسرت إسرائيليين، وأن الرد الإسرائيلي ليس موجهاً ضد الحركة، وداعميها في المحور الإيراني المسمى محور المقاومة، الساعي إلى خلط الأوراق وتوظيف القضية الفلسطينية في مشروع ملالي إيران الإقليمي، بل تعداه ليتحول إلى اعتماد إسرائيل جريمة الحرب المعممة على نطاق قطاع غزة من أقصاه إلى أقصاه، وإحالة الشعب الفلسطيني إلى كتل بشرية لاجئة في بلادها وخارجها، فيما تمادت الإدارة الأميركية في تزكية العدوان ودعمه، عبر دعم إسرائيل بالسلاح والمال، والسعي إلى تنفيذ خطتها الرامية إلى تفريغ قطاع غزة، تمهيداً لرمي الفلسطينيين إلى صحراء سيناء، فجاء وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، لتسويق فكرة تدشين "ممر آمن" بين قطاع غزة ومصر، وباتجاه وحيد نحو مصر، بحيث يفضي إلى تهجير المدنيين الفلسطينيين من القطاع إلى شمال سيناء، تمهيداً لإفراغه من أهله، وتحويلهم إلى لاجئين في مصر. وقد بدأت إسرائيل، بالفعل، بإجبار سكان شمالي غزة بالنزوح إلى جنوبه، حيث لا مأوى فيه ولا ماء ولا غذاء، وبما يشكل خطوة في اتجاه التهجير نحو مصر، وبالتالي، فإن كل ذلك يكشف أن ساسة إسرائيل بمختلف انتماءاتهم اليمينية العنصرية والدينية، لا يفترقون في التطرف عن عناصر تنظيم "داعش"، فضلاً عن أنهم حوّلوا إسرائيل إلى دولة يهودية، تقوم على نهج الفصل العنصري.
لا علاقة لحرب الإبادة التي تنفذها إسرائيل في غزة بما يشاع عن الثأر مما فعلته حماس، رغم أنها استخدمته ذريعة، كونها تتم بناء على نهج سابق، يجري استكماله. كما أن شحن الولايات المتحدة حاملات طائرتها إلى البحر المتوسط، ترافق مع نفي إيران التورط في الحرب، وذلك على لسان مرشدها علي خامنئي شخصياً، ومع نفي أميركي وإسرائيلي، بحجة غياب الدليل على هذا التورط، وبالتالي فإن الحشود الأميركية غير متصلة بالتصميم على منع أو ردع إيران أو ذراعها اللبناني ممثلاً بحزب الله، لأنهما ليسا في وارد الانخراط في الحرب، على الرغم من رفعهما يافطة وحدة ساحات المقاومة الزائفة، إلى جانب أن ساسة إيران يعرفون تماماً ما هي الخطوط الحمراء، التي لا يُسمح لهم بتخطيها، لذلك لن يجهزوا صواريخهم لاستخدامها مباشرة في نصرة غزة والدفاع عن أهلها الذين يتعرضون لإبادة جماعية، الأمر الذي يشي بأن ساسة طهران أرادوا توظيف ما قامت به حماس لتوجيه رسائل للولايات المتحدة وللدول العربية والأقليم، وذلك على حساب دماء المدنيين الفلسطينيين. أما ساسة الغرب، فهم اعتادوا على مساندة نظرائهم الإسرائيليين في جميع حروبهم، لذلك لن يكترثوا بما تخلفه حرب الإبادة، فمن خذل السوريين وتغاضى عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد لن يتحرك ضميره ضد جرائم إسرائيل.
المصدر: تلفزيون سوريا