عبسي سميسم
بعد أقل من ساعة على المجزرة التي ارتُكبت في الكلية الحربية في حمص أثناء حفل تخريج ضباط من الكلية الحربية، وراح ضحيتها أكثر من مائة قتيل وعشرات الجرحى من طلاب الضباط في جيش النظام السوري وعائلاتهم، كانت أول ردة فعل للنظام على تلك المجزرة، التي لم تتبناها أي جهة، هي القيام بحملة قصف على معظم مناطق شمال غربي سورية، مستهدفة بشكل أساسي التجمعات السكنية. مع العلم أن كل المعطيات تشير إلى أن فصائل المعارضة السورية، و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) لا تمتلك القدرة على تنفيذ مثل هذه العملية.
وقال النظام إنه تم تنفيذ الهجوم بطائرة مسيّرة قصفت خريجي الكلية الحربية، علماً أنه لا "هيئة تحرير الشام" ولا فصائل المعارضة تمتلك مسيّرات تستطيع قطع مسافة نحو 110 كيلومترات (وهي أقرب نقطة بين فصائل المعارضة والكلية الحربية في حمص). وفي حال امتلاكها مسيّرات قادرة على التحليق لمسافات طويلة، فإنه من المستحيل على تلك الطائرات أن تقطع كل تلك المسافة بدون أن تلحظها وسائط الدفاع الجوي للنظام المنتشرة على طول تلك المسافة. من ناحية أخرى لو كانت فصائل المعارضة تمتلك هذه القدرات العسكرية لكانت استطاعت تغيير المعطيات الميدانية على الأرض وتمكنت من ضرب قوات النظام المتمركزة في مناطق أقرب بكثير من حمص.
وحتى لو كانت "تحرير الشام" والفصائل التي تعمل في محافظة إدلب هي من ارتكبت تلك المجزرة، فمن المفترض على قوات النظام أن تقوم بمهاجمة قوات الهيئة والفصائل التي تعمل معها، أو تشن حملة قصف على مواقع تلك الفصائل، وهو ما لم يفعله النظام، وإنما تعمّد خلال رده على المجزرة استهداف التجمعات السكنية حصراً والمدنيين في معظم مدن وبلدات محافظة إدلب بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا.
هذا الأمر يثبت أن نظام بشار الأسد يتعاطى مع المجتمع الدولي ومع المدنيين السوريين بمنطق العصابة وليس بمنطق الدولة، ففي حمص وقع ضحايا مدنيون أبرياء، ليردّ النظام بقتل مواطنين سوريين أبرياء في المناطق التي تسيطر عليها "تحرير الشام". يحاول النظام بذلك إرضاء مؤيديه عبر تأجيج النزعات الانتقامية بين مكونات الشعب السوري، وتحويل الوضع إلى صراع بين تلك المكونات، في محاولة منه لاستعادة السوريين الذين يقبعون تحت سيطرته، من خلال تخويفهم من السوريين في الطرف الآخر (أي الذين يقطنون في مناطق المعارضة)، وخلق عداوات معهم، وذلك لقطع الطريق أمام تمدد الاحتجاجات التي بدأت في مناطق سيطرته من محافظة السويداء، وقد تنتشر في أي لحظة إلى باقي المناطق السورية.
المصدر: العربي الجديد