صحافة

هل يُسقِط حراك السويداء السلطة الحاكمة؟

الاثنين, 18 سبتمبر - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

هدى سليم المحيثاوي


المُفَاجِئ والباعثُ على الأمل، وصفٌ يختصرُ حراكاً نشأ في تربةٍ "أقلاوية" (بحسب توصيفات النظام)، يقتلعُ الصورةَ التي عمل على زرعها بحماية الأقليات من جذورها. مطالبُ الحراك في السويداء جاءت مُحَدَدة وواضحة وجامِعَة، وتمكنت من إرسال رسائلَ على المستويين الشعبي والدولي. من كونها امتداداً لمطالبِ عام 2011، مُضافاً إليها مطالبُ تفرضها مُستجدات الساحة السورية على الشعب السوري، تتمثل بمناهضة الاحتلالات كافة وعلى رأسها المليشيات الإيرانية.

وربما للتعلم من الدرس والاستفادة من التجربة، لم يهمل الحراك أي ثغرة تسمح بتأويله وتكون مدخلاً للانقضاض عليه، وربما آخرها تصريحُ شيخ العقل حكمت الهجري "نحنُ دعاة عَلمانية ومطلبنا دولة مدنية"، إذ كانَ من المهم بعث رسالة لدحض أي مزاعمَ برغبةٍ انفصالية أو توجهٍ ديني بعد حمل العلم الخاص المُمثل للطائفة الدرزية. كلُ ذلك جاء ضمن المطالبة بتطبيق القرار الأممي 2254، وتحقيق انتقالٍ سلميٍ للسلطة.

هل يكفي حراكُ السويداء لإسقاط السلطة الحاكمة؟

بين مُتأمل من هذا الحراك، أو غير مُعَوِل، وثالثٍ مُؤوِل لنظريات مثل أهمية ودور الأطراف في خنق المركز، يتغاضى فيها أنَ هكذا فرضية هي في حال وجود دولة وليس عند التعامل مع نظام أعلنَ منذ البداية فكرة سوريا المفيدة، التي يتمثلُ مركزها بما يخدم مصالحه ويحمي استمراريته، عندها يمكن أن تكون قاعدة حميميم أو قاعدة إيرانية أو مصنع للكبتاغون هو المركز.

هذا الحراك جاء ليقبع على رأس هرمٍ من المظاهرات استمرت حتى بعد مواجهتها بالرصاص الحي، مُصحوبة مع حراكٍ سياسي، تمكن من استخراج قرارٍ بتوافقٍ أممي للانتقال السياسي، صاحبه كذلك حراكٌ عسكري وصل محيطَ القصر الرئاسي في العاصمة دمشق عام 2015، يأتي الجواب ليقول إن من الضروري تدعيم هذا الحراك بمجموعة خطوات لا بدَ منها لاكتمال القوة المطلوبة لتحقيق انتقالٍ للسلطة.

رغم أحقية الانتقال والتغيير على كافة المستويات في سوريا، إلاَ أنَ هذه الأحقية لم تُتَرجَم إلى لغةٍ سياسية تُخاطَب الدول من خلالها وتكسبُ دعمها، إذ إنَ اللغة السياسية وببساطة تفترضُ تقديمَ تصورٍ ورؤيةٍ لما يمكن أن يكون بديلاً عن المُراد تغييره، من شخوصٍ ومؤسسات ونُظم إدارة، لتكون المطالب واضحة ومُحَدَدة بإحلال هؤلاء والتخلي عما سبق، وهي خطوة تتحملُ وزرَها النخبةُ السياسية.

هذه الخطوة وبعد اثني عشر عاماً، مازالت في طور الشعارات والأماني أو في طورٍ أسوأ، هو إحلالُ شخصياتٍ لم تخرج عن النهج السابق، فأتت اللغة السياسية المُعَبِرَة عن الثورة السورية ومُخرَجاتها، لغةً ضبابية وغير مفهومة سوى لأبناء الشعب السوري وأمنياته، إذ إنَ سوء الترجمة بين الحراك الشعبي والتمثيل السياسي له عند الدول التي عُنيَت بالملف السوري، خلق فجوةً كبيرة بين حقيقة هذا الحراك والصورة النهائية التي وصلت إليهم.

على مستوى الشخوص الذين مَثَلوا الثورة السورية، لم يكن معظمهم أكثرَ من أصحاب مصالح شخصية جعلوا القرار السوري عرضةً للمساومة والتسعير، فجاءت المؤسسات التي شيدوها على مستوى هذه الشخوص ولم تَطل حتى الاسم من الوطنية السورية، ومثل هكذا شخوص ومؤسسات لا يمكنُ لها أن تُنتج نظماً للإدارة إلاَ في نطاق تحقيق مصالح هذه الشخوص ومؤسسات تحفظ بقاءهم.

النُظم هي النتيجة الأهم التي يُرادُ الوصولُ إليها، لتسيير الدولة بعد سقوط السلطة الحاكمة، لكن استحالة الوصول إلى هذه النُظم إلاَ عبر الأشخاص وتكوين المؤسسات القادرة على إنتاج لغةٍ سياسية تتعامل بها الدول، وتكون قادرة على ترجمة المطالب الشعبية بحقيقتها.

نقطةٌ غاية في الأهمية بدأ بها حراك السويداء، هو تمايز مستويات الخطاب، فلسنواتٍ مَضَت بقيت مستويات الخطاب السوري واحدة إن كان على المستوى الشعبي أو على المستويَين العربي-الإقليمي والدولي، وهذا أيضاً تتحملُ وزره النُخب السياسية والثقافية، إذ قام السياسيون بممارسة دورهم بذهنية الناشط، والإعلاميون قدموا خطاباً لم يرقَ لأكثر من أن يكون خطابَ مجالس، وهنا يأتي دور التنظيم والنُظم.

الحراك أو ورقة الضغط الشعبي في سوريا لطالما وُجدت، لكن الغائب الدائم كان ولايزال هو التمثيل السياسي بالإضافة إلى التمثيل الاقتصادي، وهما تمثيلان لن يكون بالإمكان البدء بتغييرٍ في سوريا إلا إذا تم وضعُ خطط مُفَصَلة لهذين الجانبين.

كيف يمكن دعم حراك السويداء؟

إنَ خطوة تشكيل حكومة تكنوقراط، بحيث يتم وضع تصور وخطة لكل ملف من الملفات السورية، هي خطوةٌ لا يمكنُ تجاوزها في واقعنا السوري الحالي، أولاً من حيث الفوضى التي تكتنفه وتعقد خيوطه، ثانياً من حيث فقدان الثقة فيمَن تصدر المشهد، ثالثاً من حيث احتلال ملفات كثيرة الأولوية لدى الدول قبل الملف السوري، كلُ ذلك يجعل احتمالية تحركٍ عربي أو دولي مرهوناً بضغوطٍ وجهودٍ سورية حثيثة، فهل يستغلُ السوريون ورقة الضغط الشعبية ويمثلونها بلغةٍ سياسية يمكن مخاطبةُ الدول بها؟


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :