صحافة

دلالات بيان الشيخ "حكمت الهجري"

الأحد, 27 أغسطس - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

إيمان أبو عساف


لطالما انتظر الشارع في السويداء بيانات الهيئة الروحية، وكثيراً ما خاب ظنه بمحتواها لعدم تلبية ما كانوا بحاجته، فإما كانت تصدر في وقت لاحق "بعدما يلي ضرب ضرب" أو كانت لا توجه أصابع الاتهام بشكل واضح.

أما بيان الهيئة الروحية الذي كتبه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في شهر آب الحالي، فهو مختلف عن كل سوابقه، بل يكاد يرقى لبيانات الثوار وسلطان باشا الأطرش في الثورة السورية الكبرى. بيان قريب من الشارع، لامس كل من على الأرض، تكلم عن أوجاع شعب طال التنكيل فيه تجويعاً وقهراً واستبعاداً ممنهجاً. 

فجاء بداية البيان: "نبّهنا مراراً إلى نقاط كثيرة وأشرنا إلى مواضع الفساد والإفساد، وتوجهنا إلى العموم والى أعلى المستويات للانتباه والتعامل والتصرف مع هؤلاء المخربين، ولكننا في كثير من الأحيان لم نكن نجد جواباً ولا تصرفاً ولا إجراءً مناسباً، بل كان يعاد الخطأ الذي نحذر منه، ويستمر ضارباً إرادة الناس ومطالبهم عرض الحائط، نرى بشكل واضح الاحتجاج على تجاهل مطالب الشعب التي تكررت وكان يطالب فيها بالطرق المعهودة".

ويتابع البيان ليؤكد عدم انفصال حراك المحافظة اليوم عن الحراك السوري منذ 2011، وهو ما يتم اتهام المحافظة به، حتى وصلت الاتهامات أن أهالي السويداء يدعون لحركات انفصالية وحكم ذاتي، فتأتي كلمات البيان لتضحد التهم وبأكثر من موقع فيه: "...وكل إخوتنا من أحرار الوطن في كل المحافظات السورية من حوران سهلاً وجبلاً إلى الجزيرة وحلب إلى الساحل وحمص ودمشق وريفها، على وقوفهم الصادق، ومشاعرهم النبيلة أمام كل ما حدث وما يحدث، فلا مساومة على ذرة من كرامة وأصالة وانتماء لوطن سوري واحد كامل متكامل بكل أطيافه وتلاوينه الدينية والطائفية والمناطقية.(...)، لن نتنازل عن انتصاراتنا الوطنية، ولن يذلنا أحد ما حيينا، فالأصول راسخة متينة، والكرامة تغلب على الجوع، كنا ولا زلنا من موقع وطني مجيد ننصر الحق لا ليستغله بعض ضعاف النفوس وينافقوا علينا، فما لنا على وطننا من فضل، ولكن لنا فيه حق، ولا نقبل أن يحرمنا منه أحد مهما كان موقعه.

ثم تصبح لغته أكثر وضوحاً ومباشرة في دعوة الشعب للانتفاض بوجه القرارات الجائرة بل تحتوي دعوة للعصيان المدني، بما يمنح نوعاً من المباركة والحماية للشعب الثائر: "حقكم أن تطالبوا بالعيش الكريم ولن نرضى بالحد الأدنى.......من حق الناس أن تصرخ وتستغيث، من حق الناس أن تتوقف عن عمل أصبح يجلب لهم الإذلال، ومن العيب أن نرى هذا التدمير ونبقى صامتين…

كما تطرق البيان أيضاً إلى الطرق البخسة التي كانت تستخدم لقمع المظاهرات وقمع أي صورة من الاحتجاج، منبهاً الشارع منها ومن تكرارها، حتى أنه أطلق عليها اسم المسرحيات: "احذروا من تكرار ما يشابه ما مررنا به سابقاً وخاصة حين تمّ حرق المحافظة من جهات ما لمحاولة إتلاف ملفات تدينهم وتدين معارفهم بملفات فساد كبيرة مشتركة بينهم، حيث أقدم البعض على محاولة تخوين المتظاهرين الشرفاء واتهامهم بذلك، ولكن الحقيقة معروفة على الملأ، وأبناؤنا يعرفون أن الدوائر الحكومية مبنية ومجبولة بدمائهم ودماء أهلهم، ويستحيل عليهم تخريبها لا من الداخل ولا من الخارج، فلا تعيدوا هذه المسرحيات التي مللنا من تكرارها، ولم يعد الشعب يطيق الذل اكثر." 

من المواضع المميزة في البيان أيضاً هو دعوته لصون دستور يحمي شعبه، واللجوء للقانون الذي ينصف الحق، وذلك ما يبعد أي اتهام عن رغبة المحافظة باللجوء للزعامات الدينية أو الاتهامات للهيئة الروحية بفرض السلطة الدينية كمصدر للحكم: "اعملوا وفق ما ينصه الدستور والقانون بأصوله، وخاصة حين ينصّ على حق الشعب أن يطالب.. وعلى حكومته أن تستجيب، لأن الشعوب لا تخطئ، ولمصلحة الدولة أن تتجاوب مع شعبها حين يكون مسؤولوها من صميم الشعب بروح وطنية عالية بلا طمع ولا أنانية ولا خوف". 

ما أراه الأكثر تميزاً وخصوصية في البيان، هو تبيان ما كانت تفعله الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية لقمع الشعب عوضاً عن القيام بما يتوجب فعله: "والجهات الأمنية غائبة ومغيبة عند ضرورة وجودها!... إلا لقمع الكلمة، ولتوجيه أزلامها العابثين وفق أوامرها ضد أهلهم، الضابطة العدلية والقضائية مشغولة بالجباية، ومضعضعة من كثرة التنقلات والتعيينات وعدم الاستقرار..."

أعتقد أن صدور البيان في هذا التوقيت كان له ما له من تأثير على المنتفضين والمنتفضات على الأرض من جهة، ومن ضربة موجعة للنظام الذي طالما احتسب أن الهيئات الدينية بيدق في يده لقمع الشعب عن طريقها من جهة أخرى.

كثيرة هي المواضع التي تدعو للفخر في هذا البيان، من توجيه أصابع الاتهام إلى المكان الصحيح، للكلام بلغة واضحة سهلة وبلا محاباة ومواربة، لدعوة الشعب للتظاهر السلمي والعصيان المدني والتكلم عن أوجاعه بتفصيل يصور سنوات من القهر والذل والإذلال، وصولاً لكونه خطاباً وطنياً، تم نشره في الوقت المناسب،ورغم أنه من هيئة دينية إلا أنها أكدت مرة جديدة على مقولة قائد الثورة السورية الكبرى: "الدين لله والوطن للجميع."


المصدر: أورينت نت

الوسوم :