صحافة

بشّار الأسد الذي طمأننا

الأربعاء, 16 أغسطس - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

أرنست خوري


من الضرائب الباهظة التي على الصحافي العامل في الأقسام السياسية أن يدفعها، لا أن يضطر إلى مقابلة ديكتاتور أو سياسي وضيع و/أو جاهل و/أو شعبوي، فتلك حالات قد تصنع "مجده" الإعلامي لو أدار الحوار بشكل نقدي وجريء وذكي يعرّي تهافت الضيف ويحرجه ويُخرج منه ما يجهد الأخير لإخفائه. من أفدح الضرائب أن يضطرّ إلى الاستماع لمقابلة مع صاحب الأوصاف أعلاه، أو قراءتها بحكم واجباته المهنية. عذاب تشعر معه أن الدقائق الـ29 للحوار التلفزيوني الأحدث مع بشّار الأسد تأبى أن تنتهي. فلنتجاوز التذاكي الممتد على مدى نصف ساعة بطريقة عكس كل سؤال بسؤال مقابل. فلنتغاضَ عن جوابه العبقري عندما طلب منه محاوره الدفاع عن نظامه في ما يتعلق بتهمة تورّطه في إغراق بلدان عربية بمخدّر الكبتاغون، فلاحظ بنباهة أن ذلك مستحيل بما أن "عصابات المخدرات تعمل بشكل سرّي ولا تتعامل مع دول، لأنه عندها تصبح تجارة معلنة وليست سرّية"، إذاً نحن أبرياء. حاوِل التغاضي عن أن الرجل يستحيل أن يركّب نكتة، وعندما يحاول، تخرج بصيغة: "لماذا ألتقي مع أردوغان؟ لنشرب المرطّبات؟". لا تجهد نفسك في محاولة فهم نظرية "الخوف هو جزء من اللاوعي". لا تعلّق على الإهانة التي تسكن كل كلمة يقولها الرجل بدءاً من "لم يكن هناك مطالبات داخلية برحيلي والمستهدف لم يكن الرئيس بشار بل سورية" (نعم عندما يريد تسمية نفسه، لا يقول بشّار الأسد، بل الرئيس بشار)، وصولاً إلى وعظه اللبنانيين بالتحلي بـ"إرادة حل مشاكلهم لأن سورية ليست لديها النية في التدخل بتفاصيل الشأن اللبناني في الوقت الحالي". ضع خطوطا عريضة تحت "في الوقت الحالي". إن تمكّنتََ من إنجاز الاستماع إلى الحوار حتى نهايته، فكِّر بالوجه الآخر من الميدالية، فكّر بـ"الإيجابي" فيها، وبكم أن المقابلة قدّمت خيوط أجوبة عن أسئلة كنتََ بحاجة لبذل جهد كبير غير مضمون النتائج للوصول إليها.

ببضع كلماتٍ طمأن الأسد من يهمّه الأمر إلى أن المصالحة العربية مع نظامه بلا قيمة سياسية، فعندما يقول المعني الأول بهذه المصالحة إن "العلاقات العربية ــ العربية شكلية وهي لم تتغيّر"، وبالتالي، يرجّح أن تكون "عودة سورية شكلية" إلى جامعة الدول العربية، فإنما في ذلك التصريح المهم تأكيدٌ لكل التخمينات التي تفيد بأن في مطابخ قرار الحكّام العرب الذين قرّروا العفو عن نظام الدم والإرهاب في دمشق، أي كل البلدان العربية ما عدا قطر والكويت، قناعة بأن مهلة السماح الممنوحة لحكّام الشام من أجل إعادة تعويم علاقات النظام الخارجية من خلالهم انتهت أو اقتربت من الانتهاء، نتيجة اليأس من إمكانية تعاونه معهم وتقديم بعض التنازلات. صادرات الكبتاغون من الجنوب السوري إلى الأردن ومنه إلى بلدان الخليج زادت منذ قمّة جدّة (مايو/ أيار الماضي). حالة الانفصال عن الواقع تتعمّق عند الأسد، وقراره نهائي بحصر علاقات نظامه الخارجية بروسيا وإيران. الرجل يعتبر أن لا شيء يقدّمه للاجئين لكي يعودوا من دون ضخّ عربي لم يحصل لأموال إعادة الإعمار. معارضة الخارج عميلة، وقد تكون معارضة الداخل كذلك، لأن الرجل واعٍ إلى أنه يمكن أن يكون هناك معارض مقيم في دمشق، بينما هو عميل للخارج، يقول. أي أن مصفوفة المطالب والتمنّيات العربية من الأسد مستغربة بالنسبة له، ففي المخدّرات هو مُعتدى عليه، وفي شأن اللاجئين وعودتهم أيضاً لأن ملايين المهجّرين لا يزحفون زرافات زرافات عائدين إلى البلد فقط لأن لا بنية تحتية جاهزة لاستقبالهم. لا سؤال ولا جواب عن حلّ سياسي في سورية. أما عن المصالحة مع تركيا، فأيضاً يمكن الاطمئنان، لأن "الإرهاب في سورية صناعة تركية"، وفق كلام الأسد، الذي لن يلتقي مع أردوغان من دون شروط، فذلك سيكون بمثابة لقاء من أجل شرب المرطّبات (النكتة إياها).

خاب أمل من انتظر سؤالاً نقدياً واحداً يطرحه الإعلامي الذي حاور بشار الأسد، بدل أن يتساءل مع "الشارع العربي" عن "سرّ صمود الدولة السورية في وجه الإرهاب"، وكيف أن ضيفه "نجح في الانتخابات".


المصدر: العربي الجديد

الوسوم :