فراس رضوان أوغلو
تناولت في الآونة الأخيرة وسائط التواصل الاجتماعي حادثة اعتداء (عراك) جماعي ضد يافع عربي وأخيه مما زاد في موجة الخوف والسخط لدى الأوساط العربية المقيمة في تركيا من تزايد هذا الأمر وعدم كبح جماحه، أو إيجاد حلول قانونية رادعة له خوفاً من تزايد هذا الأمر لأن المعتدي لن يميز بين مقيم وبين سائح.
الغريب والتناقض غير المنطقي في الأمر أنّ بعض المدن التركية تعتمد بشكل كبير على السياحة العربية مثل إسطنبول وطرابزون وريزة وبورصة ويالوفا وغيرها من المدن، والتحريض الممارس من قبل بعض الجهات السياسية من الداخل التركي لا يُشن على نطاق مناطقي بل جُل حمالاتها التحريضية تبث بكل أنحاء البلاد، وهذا الأمر يلامس كل الشرائح المجتمعية في تركيا لذا فإن الضرر المباشر سيكون من نصيب الشركات التركية والمواطن التركي العاملين في مجالات العمل السياحي، في حال قرر العرب عدم السياحة في تلك المدن، علاوة على ذلك تعتبر تركيا دولة منتجة ومصدرة للبضائع بمختلف أنواعها وتعتمد بشكل كبير على التصدير للخارج، وتعتبر المناطق العربية من أهم أسواق التصدير لها، فالتبادل التجاري مع العراق مثلاً يصل إلى قرابة 22 مليار دولار، وقس على ذلك مع دول الخليج ومصر والمغرب العربي، ولو أضفنا على ذلك وجود الشركات التركية في المحيط العربي واستثماراتها التي ترفد الخزينة التركية، كل هذه الأمور ستصبح معرضة للخطر في حال زادت الأمور عن حدها في مسألتي التحريض والاعتداء على المكونات العربية، والسؤال هنا هل هذه الجهات التحريضية في الداخل التركي لا تعلم هذه الأمور؟ وهذا أمر لا يمكن تصديقه أم أنها تتعمد ذلك لأغراض سياسية وتجارية خاصة بها بعقلية أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها رجعية.
إذا تمعنا أكثر في الأضرار الناتجة عن أي اعتداء مغلف بشبهة عنصرية فإنها سوف تتجاوز الضرر الاقتصادي لأبعاد أكبر من ذلك كالبعد السياسي والاستراتيجي لتركيا، ففي الأمس القريب كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدول الخليج (المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة) ويمكن اعتبار هذه الزيارة هي الزيارة الرسمية الأولى له بعد تسلمه منصبه إثر فوزه بالانتخابات الرئاسية، والكل يعلم أن العنوان الرئيسي لهذه الزيارة هو الاقتصاد ومحاولة تضميد جراح الاقتصاد التركي ومعافاة عملته التي تتراجع بشكل كبير أمام الدولار، والاقتصاد ليس معزولاً عن السياسة فلا يمكن أن تتم تلك العقود والشراكات التجارية بين تركيا وتلك البلاد دون تفاهمات سياسية وهذه التفاهمات تُبنى عليها استراتيجيات الدولة في الشؤون الخارجية ولذلك أي اعتداء يلحق برعايا تلك البلاد بالتأكيد سوف يؤثر بشكل أو بآخر على تلك الشراكات الاقتصادية.
ولو خرجنا من دائرة الوجود الاقتصادي إلى الوجود الفعلي، فتركيا لديها وجود حقيقي في عدة مناطق في الوطن العربي، في قطر والصومال وليبيا وسوريا والعراق وأصبح لها تداخلات مباشرة في ملفات عربية لم تكن تعهدها السياسة التركية مسبقاً، وهذا يعني أن رسم سياساتها الاستراتيجية قائمة على متغيرات الوضع الدولي والإقليمي لتركيا في المنطقة، وأن أي خطأ في الحسابات الداخلية ستكون تبعاته على المستوى الخارجي أكبر بكل تأكيد منه في الداخل، وعليه فإن الحكومة التركية مطالبة بسد الثغرات القانونية التي يستفيد منها دعاة التحريض دون ردعٍ أو عقوبات قانونية، وأنه يجب تحديد المصطلحات السياسة الاجتماعية (فالمهاجرون غير الشرعيين شيء وتلفظ أو ذكر جنسية معينة شيء أخر) ولحماية المجتمع التركي المتنوع والذي سيزداد تنوعاً كنتيجة حتمية لصيرورة الحياة وحماية المكتسبات التي حققتها تركيا على الصعيد السياسي والاقتصادي والاستراتيجي.
وعلى خط موازٍ للتعديلات القانونية يجب نشر ثقافة التعددية والتسامح ورفض الكراهية والعنصرية، وأنه ليس كلّ من يأتي إلى بلاد الأناضول هو طامع فيها، فمثل هذه الأفكار مضى عليها قرن من الزمن تغيرت فيه كثير من الأمور، وبات العالم قرية صغيرة وأن المجتمع التركي متكون من أعراق مختلفة اندمجت في بوتقة الدولة، وأن مفهوم الدولة الكبيرة الحديثة اليوم هي التي يعيش في ظلها مكونات مجتمعية مختلفة تحت إطار القانون، وأن هذا التنوع يزيد في إثراء الدولة وليس العكس ومثل ذلك بريطانيا فرنسا كندا وغيرها من الدول، وأخيراً مواجهة المشكلة قانونياً وإعلامياً أفضل من الهروب نحو الأمام فالمثل الإنكليزي يقول لا تغطي الجرح بل ضمده.
المصدر: تلفزيون سوريا