مصطفى إبراهيم المصطفى
يشتكي كثير من الدبلوماسيين حول العالم من صعوبة التعامل مع نظرائهم الإيرانيين لما عرف عن هؤلاء من صلف وعنجهية ونظرة فوقية تجاه الآخرين، ويقال إن حلفاءهم الروس يشعرون بالامتعاض من هذه الحالة، فالإيرانيون ينظرون إليهم نظرة الند للند دونما أي اعتبار لفارق القوة والمكانة الدولية، بل هم أخضعوا الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لذلك البروتوكول المقيت الذي يتجلى في استقبال المرشد لضيوفه حيث يظهر العلم الإيراني خلفه بينما يجلس الضيف جانبا وليس جانبه دونما علم.
استحوذت إيران على موقع استراتيجي مميز وحساس أكسبها مزيدا من الأهمية، وبالإضافة إلى ما تمتلكه من موارد بشرية وموارد طبيعية وموارد ثقافية ذات نزعة إمبراطورية، جاءت الظروف الدولية والإقليمية لتجعل من إيران رقما صعبا في كل المعادلات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وهذا ما دفع ساستها للمبالغة في تقدير الذات لدرجة تثير الاشمئزاز.
إذن، هي ظروف استثنائية وموارد قوة لا يستهان بها جعلت من إيران دولة غير قانعة بمكانتها الدولية، وبالتالي هي دولة ساعية إلى التغيير في بنية النظام الدولي إلى جانب كل من روسيا والصين بالدرجة الأولى، هذه الدول الثلاث التي مازال قادتها بالكاد بدؤوا يتلمسون خطاهم على مسرح التاريخ؛ متخذين من "البلطجة" وسيلة للتعبير عن الرفض للنظام الدولي القائم.
وسلوك "البلطجة" الذي يعتبر السمة المميزة للسياسة الإيرانية، على وجه الخصوص، كان مصدر قلق وذعر لدول الجوار، وخاصة دول الخليج العربي التي كانت ومازالت ترى في النظام الإيراني كابوسا يقض مضجعها، وهي ما فتئت تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل تقليم أظافر هذا المارد المتعجرف بالقوة، لكن هذه الدول عندما وصلت لمرحلة اليأس من إمكانية إقناع الولايات المتحدة بتنفيذ رغباتها قررت أن تعبر عن احتجاجها بأساليب مختلفة، لجأ السعوديون إلى التقارب مع النظام الإيراني تحت رعاية صينية، واعتقدوا أن هذه الرعاية تحقق لهم هدفين: أولهما استفزاز الولايات المتحدة وإغاظتها، وثانيهما ضمانة أن تلتزم إيران بما سوف تتعهد به. وفيما يبدو أن الهدف الأول تحقق - إلى حد ما – وجلب للسعوديين مزيدا من الضغوط الأميركية؛ مازال الوقت مبكرا للحكم على جدوى الهدف الثاني.
في مجمل الأحوال، بقيت الأمور ضبابية ولم يعلم أحد بتفاصيل ما اتفق عليه الجانبان السعودي والإيراني، وكل ما خرج للعلن لم يكن سوى عبارات إطراء متبادلة وفضفاضة، ولكن لوحظ تراجعا لحدة الصراع في اليمن فيما يمكن تسميته بلجم الحوثيين من قبل إيران في مقابل سباق مع الزمن من قبل السعوديين لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية فيما بدا أنه تعهد سعودي يجب الالتزام به في الموعد المحدد، ويمكن القول إن هذا هو التفسير الوحيد لهذا السلوك السعودي رغم كل ما قيل ويقال من كلام خلاف ذلك.
إن محاولة إخفاء السبب الحقيقي وراء التطبيع المتسرع من قبل السعوديين مع النظام السوري ومحاولة دمج هذه الخطوة بالمبادرة العربية التي يقودها الأردن ليست سوى محاولة للتهرب من الإجابة عن سؤال من هرول نحو الآخر؟ ومن انكسر أمام الآخر؟
بالعودة إلى الغرور الإيراني ونظرتهم الفوقية التي تجعل دبلوماسييهم يتصرفون وكأنهم يمثلون دولة عظمى؛ نتذكر أنه مع بداية التقارب السعودي الإيراني خرج علينا أحد المحللين الإيرانيين ليقول: على الإخوة في المملكة العربية السعودية ألا يخافوا من الولايات المتحدة الأميركية؛ فإن إيران قادرة على حمايتهم وحماية كل دول الخليج من أي خطر.
في المقابل، تجاهل المتحدثون السعوديون الحديث عن أي التزام سعودي تجاه إيران، وتناول هؤلاء قضية تعويم النظام السوري وإعادته إلى جامعة الدول العربية على أنها تأتي ضمن سياق المبادرة العربية دون التطرق لأي دور إيراني فيما يحصل.
وبناء على المنظور الإيراني ذهب رأس النظام السوري إلى قمة جدة يخطو خطوة المنتصر وهو يعتقد أنه ذاهب لجمع الإتاوات، في حين تصرف السعوديون بتماهٍ تام مع الخطاب الذي صدّروه. أي، أفهموا النظام السوري أن تطبيع العلاقات معه مشروط ببعض الالتزامات، وهكذا ظن السعوديون أنهم التزموا بتعهدهم أمام إيران بإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية دونما الاعتراف الواضح بالهزيمة أمام إيران من خلال تصوير ما يحصل أنه يندرج في سياق المبادرة العربية.
لأن ذلك لم يعجب النظام السوري ولم يعجب النظام الإيراني دخلت المبادرة العربية مرحلة من الركود بانتظار أن تتضح بعض الأمور، أو لنقل بانتظار الإجابة عن سؤال من هرول نحو الآخر؟ ومن انكسر أمام الآخر؟ ولأن إيران لن تقبل أن يبقى هذا السؤال من غير إجابة عادت إلى البلطجة من جديد، ولكن هذه المرة من خلال التعدي على الثروات العربية في حقل الدرة البحري للغاز.
إن إيران هذه المرة (في قضية حقل الدرة) تلعب ما يعرف في حقل العلاقات الدولية بلعبة "الجبان" أو "الدجاجة" بتسمية أخرى، وهي – باختصار شديد – تعني أن يندفع أحد الأطراف نحو هدف محدد دونما اكتراث بالطرف الآخر واضعا إياه أمام خيارين: إما المواجهة والصدام، وإما التنحي جانبا. وبالتالي، فهو جبان ولا بد أن يتحمل تبعات كونه جبانا. وفي هذا السياق صرح مصدر في شركة النفط الإيرانية: إن طهران ستقوم بخطوات استباقية لتثبيت أقدامها في الحقل قبل السعودية والكويت.
بكل تأكيد لن تؤدي المماحكات حول حقل الدرة إلى اندلاع حرب بين السعودية والكويت من جهة وإيران من جهة أخرى، إلا أن النتائج النهائية لهذه المماحكات سوف تكون جزءا من الإجابة عن سؤال من انكسر أمام الآخر؟ خصوصا وأن الرد السعودي والكويتي على الادعاءات الإيرانية كان حازما وجازما بأن ملكية الحقل تعود للسعودية والكويت فقط.
بانتظار الإجابة عن ذلك السؤال المحرج ستبقى مسألة التطبيع مع النظام السوري معلقة، ولن تقبل إيران أن يبقى هذا السؤال من غير إجابة واضحة، وهي تقول لدول الخليج: إما الاستسلام وإما العودة إلى حلبة الصراع من جديد.
المصدر: تلفزيون سوريا