حسام كنفاني
يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يخسر رهاناته شيئاً فشيئاً، بداية من إعلانه الحرب على أوكرانيا قبل عام ونصف العام تقريباً، وما رافق ذلك من خسائر روسية سياسية وعسكرية واقتصادية، خصوصاً مع التقديرات الروسية التي كانت تتحدّث عن أن الحرب لن تستمر أكثر من بضعة أسابيع، وصولاً اليوم إلى التمرّد الذي أعلنه زعيم مرتزقة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، على قرارات الرئيس الروسي. يحصد بوتين اليوم ما زرعت يداه، فالوحش الذي ربّاه على مدى السنوات الماضية، وأطلقه في ساحات القتال عبر العالم، انقلب عليه وبات يهدّد المكانة التي أراد بوتين بناءها لنفسه وتكريسه قيصراً جديداً في روسيا، غير أن "القيصر" أخطأ في حسابات القوة، سواء لخصومه أو حلفائه، حتى بات عرشُه مهدّداً بشكل جدّي جدّاً هذه المرّة.
قصة بوتين وفاغنر الحالية تشبه إلى حد كبير قصة هتلر وستالين خلال الحرب العالمية الثانية، حين انقلب الأول على الحليف السوفييتي واتجه شرقاً مُهملاً الجبهة الغربية، وهو ما كلّفه خسارة الحرب بعد هزيمة ستالينغراد. اختار بوتين أيضاً لحظة مفصلية لمناكفة زعيم "فاغنر" ومحاولة احتواء المليشيا التي أسّسها، وضمّها إلى وزارة الدفاع الروسية، بعد تقديم إغراءات مالية، إضافة إلى حصانةٍ من الجرائم التي قد يكون أفراد هذه العصابات قد ارتكبوها، سواء في أوكرانيا أو غيرها. جاءت محاولة بوتين في وقت كانت مرتزقة "فاغنر" تساهم بشكل كبير في حسم المعارك التي لم يفلح الجيش الروسي في الانتصار فيها، وهو ما أثار حفيظة وزارة الدفاع الروسية التي رأت في المرتزقة تهديداً جدّياً لسطوة الجيش الروسي، وسعت إلى ضمها رسميّاً إلى القوات العسكرية الروسية.
لكن حسابات بريغوجين مختلفة كلياً، وليست مرتبطةً بالرئاسة الروسية فحسب، بل بالأوليغارشية الروسية أيضاً، والتي ترى في الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا خطراً يهدّد البلاد ومستقبلها، خصوصاً إذا استمرّ بوتين في منصبه بعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة في عام 2024. قد لا تكون حركة بريغوجين بعيدة عن حسابات هذه الأوليغارشية التي باتت على قناعةٍ بأن لا خلاص لروسيا إلا برحيل بوتين، وهو ليس بالأمر الهيّن.
السؤالان الأساسيان اليوم: ما هي حدود هذا التمرّد؟ وإلى أي مدى تستطيع مرتزقة فاغنر إطاحة بوتين أو على الأقل خلخلة عرشه؟ من المؤكّد أنه ليس من السهل تدمير الإمبراطورية الداخلية التي بناها بوتين خلال السنوات الماضية، لكن من شأن الـ 25 ألف مقاتل الذين يدّعي بريغوجين أنه يمتلكهم أن يشعلوا حرباً أهلية روسية، لن يكون بعدها كما قبلها، خصوصاً أن من المفترض أن هؤلاء من النخبة. قد تضمّ إليها حربٌ كهذه في حال اندلاعها أطرافاً إضافية من الروس المعارضين لبوتين، وهم كثرٌ من الناقمين على المسار الديكتاتوري الذي خطّه الزعيم الروسي. ولا شك أيضاً في أن الغرب سيرى في "فاغنر" وزعيمها حليفاً مفترضاً في حال مضى في محاربة بوتين، وكما أغدق الأموال والسلاح على القوات الأوكرانية، لن يبخل في مدّ قوات "فاغنر" بالحد الأدنى من العتاد الذي يخولها بالمضي في المعركة، وإضعاف روسيا من الداخل.
من الواضح حالياً أن حرب "فاغنر" على بوتين قد بدأت رسميّاً، مع سيطرة المرتزقة على مقارّ عسكرية روسية في مدن متاخمة للحدود الأوكرانية، وهو أمرٌ لن يتوقف عند هذه الحدود في ظل ما يبدو ضعفا للقوات الحكومية الروسية أمام خبرات قوات المرتزقة، ما دفع موسكو إلى تشديد الإجراءات الداخلية، خصوصاً في محيط الكرملين، تحسّباً لما هو أكبر من ذلك. فالآتي في نظر الروس، بحسب التصريحات التي يدلي بها المسؤولون، وفي مقدمتهم بوتين، أخطر من مجرّد تمرّد مرحلي لزعيم مليشيا، وأقرب إلى حربٍ أهلية مرتقبة.
المصدر: العربي الجديد