خاص – الطريق
أعقب تفكك وسقوط الاتحاد السوفيتي تسريح عدد كبير من العسكريين والأمنيين الذين اتجهوا إلى تأسيس شركات أمنية وعسكرية، حيث توجد حوالي 20,000 شركة حماية خاصة في روسيا، وقرابة 4,000 شركة أمنية خاصة، وما بين 10 إلى 20 شركة عسكرية خاصة.
وتعود جذور شركة فاغنر إلى شركة أوريل والتي تأسست رسمياً في مدينة أوريل في عام 2003 للتعليم والتدريب ً باعتبارها مركزاً غير حكومي.
وهي شركة أسسها أفراد متقاعدون من القوات الخاصة، ووقعت تلك الشركة عقوداً مع شركات مدنية روسية مختلفة لحماية عملياتها التجارية في العراق.
و تشير تقارير إعلامية إلى أن دميتري أوتكين، البالغ من العمر 51 عاماً، وهو من قدامى المحاربين في حروب الشيشان، وضابط سابق في القوات الخاصة وكذلك في المخابرات العسكرية الروسية، وأنه أول من عمل في بدايات نشاط شركة فاغنر، إذ يُعتقد أنه أسس الشركة وأعطاها اسمها على اسم الموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر، والذي يعشق موسيقاه، أو تيمناً بلقبه أو اسمه الحركي السابق حين كان ضابطاً.
وأسسها في عام 2014، وقد ظهر أوتكين في بث فيديو أقيم في الكرملين لحفل استقبال، في 9 ديسمبر -2016 وبعد أن أنكر الكرملين في البداية أي معرفة بوجود أوتكين، أقر السكرتير الصحفي لبوتين ديمتري بيسكوف في النهاية أن أوتكين حضر حفل تكريم للعسكريين السابقين في الكرملين.
وبدأت مجموعة فاغنر العمل لأول مرة أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كما تقول تريسي جيرمان، أستاذة الصراعات والأمن في جامعة كينغز كوليدج بلندن.
وتضيف: "يُعتقد أن مرتزقتها هم من الرجال (بالزي الأخضر) الذين احتلوا المنطقة..ثم دعم حوالي ألف منهم الميليشيات الموالية لروسيا التي تقاتل من أجل السيطرة على منطقتي لوهانسك ودونيتسك".
ويقول صموئيل راماني، الزميل المشارك في معهد رويال يونايتد سيرفيسز: "تُجند فاغنر بشكل أساسي قدامى المحاربين الذين يحتاجون إلى سداد الديون وتغطية تكاليف الحياة..إنهم يأتون من مناطق ريفية حيث توجد فرص أخرى قليلة أمامهم لكسب المال".
وتقول تريسي جيرمان: "إن إدارة جيش من المرتزقة يتعارض مع الدستور الروسي..ولكن رغم ذلك فإن فاغنر توفر للحكومة قوة تستطيع إنكارها والتنصل منها.. إذ يمكن أن تتدخل فاغنر في الخارج ويمكن للكرملين أن يقول ببساطة: لا علاقة لنا بالأمر".
وبدأت مجموعة فاغنر العمل في سوريا عام 2015، حيث قاتلت إلى جانب القوات الموالية للحكومة، وعملت أيضاً على حراسة حقول النفط.
وتنشط المجموعة في ليبيا منذ 2016 وتدعم القوات الموالية للقائد العسكري خليفة حفتر. ويُعتقد أن ما يصل إلى ألف مرتزق من فاغنر شاركوا قوات حفتر في الهجوم الذي شنته على الحكومة الرسمية في طرابلس عام 2019.
ودعيت مجموعة فاغنر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2017 لحراسة مناجم الماس، كما وردت تقارير إعلامية تفيد بأن المجموعة تنشط كذلك في السودان، حيث تعمل على حراسة مناجم الذهب.
وفي الآونة الأخيرة دُعيت مجموعة فاغنر من قبل حكومة مالي في غرب أفريقيا لتوفير الأمن ضد الجماعات الإسلامية المتشددة. وقد كان لوصول المجموعة إلى مالي أثر على قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد عام 2021.
ويقول صموئيل راماني، من معهد رويال يونايتد سيرفيسز: إن مجموعة فاغنر لديها حوالي 5 آلاف مرتزق يعملون في جميع أنحاء العالم.
ويعد رجل الأعمال يفجيني بريغوزين الممول والرئيس لفاغنر، في حين لم يتعد دور أوتكين جانب القيادة الفنية والميدانية. ومن الملفت للنظر أنه لا توجد أي خلفية عسكرية أو أمنية لبريغوزين.
والمعلومات المتوافرة عنه تذكر أنه بعد قضائه فترة في السجن بتهمة السرقة والاحتيال في أواخر الحقبة السوفيتية، أصبح صاحب مطعم يدير مطاعم راقية في مدينة سانت بطرسبرج التي عمل فيها بوتين، وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد استضافته لبوتين في مطاعمه، بدأ بريغوزين يشق طريقه إلى دائرة الرئيس، ثم توسع نشاطه ليصبح متعهداً لتوريد الطعام إلى الكرملين ويشتهر بلقب "طباخ بوتين"
ثم توسع نشاطه ليشمل توريد الطعام إلى الجيش والشرطة والمدارس والمرضى في المستشفيات، مقابل مدفوعات ضخمة تقدر بما لا يقل عن 3 مليار دولار.
تمويل بريغوزين لفاغنر وفَّر مزايا عدة للكرملين حيث أصبحت تحت يده قوة مرتزقة دون الحاجة إلى دفع تكاليف عملها، ففي سوريا تكفل نظام بشار الأسد بدفع تكاليف الخدمات العسكرية التي تقدمها شركة فاغنر عبر منحها ربع أرباح حقول النفط والغاز التي تحرسها الشركة أو تستعيدها من خصوم النظام، كما استخدم الكرملين 24 فاغنر لتحقيق أهدافه دون أن يتحمل تبعات أفعالها، حيث صورهم على أنهم متطوعون لا علاقة لهم بالدولة.
ومع أن فاغنر تحت مظلة الدولة الروسية وبالتحديد تحت إشراف جهاز الاستخبارات العسكرية، لكن لديها حيز خاص مستقل تعمل في إطاره، وهو ما كشفه هجوم المئات من عناصر فاغنر على مصنع غاز كونوكو في محافظة دير الزور بسوريا في 7فبراير 2018، وهو المصنع الذي يقع ضمن مناطق سيطرة المليشيات الكردية الحليفة لواشنطن. فعندما تقدم مقاتلو فاغنر وحلفاؤهم السوريون لمهاجمة الموقع، حذر المسؤولون العسكريون الأمريكيون نظراءهم الروس لسحب القوات المهاجمة عبر خط تواصل مباشر، فردّ الجيش الروسي بنفي أي علم له بالقوة المتقدمة، فهاجمها الجيش الأميركي جواً بضراوة ليقتل ما يصل إلى 200 من مقاتلي فاغنر.
وعلق المسؤولون الروس رسمياً حينها على الحادثة بالقول (نحن نتعامل فقط مع البيانات التي تتعلق بجنود القوات الروسية … ليس لدينا بيانات عن الروس الآخرين الذين يمكن أن يكونوا في سوريا).
ومن الصعب تحديد هوية أعضاء فاغنر أو عددهم الإجمالي وقدراتهم بشكل دقيق. فمعظم المتوافر عنهم يعود إلى تحقيقات استقصائية لصحافيين روس، وتشير تلك التحقيقات إلى أن عدد عناصر فاغنر يتراوح بين 3,600 إلى 5,000 مقاتل جلهم من المواطنين الروس.
وتتهم الأمم المتحدة والحكومة الفرنسية مرتزقة فاغنر بارتكاب عمليات اغتصاب وسطو ضد المدنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى، وجراء ذلك فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهم.
كما اتهم الجيش الأمريكي عام 2002 مرتزقة فاغنر بزرع ألغام أرضية وعبوات ناسفة أخرى في العاصمة الليبية طرابلس وفي محيطها.
وقالت الأدميرال هايدي بيرج، مديرة الاستخبارات في الجيش الأمريكي، فرع قيادة أفريقيا: "إن استخدام مجموعة فاغنر المتهور للألغام الأرضية والفخاخ المتفجرة يضر بالمدنيين الأبرياء".
ومؤخراً اتهم قائد مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية يفغيني بريغوجين، الجيش الروسي بقصف معسكرات قواته، ما أسفر عن مقتل عدد "كبير" منهم، فيما نفت موسكو ذلك.
وتوعد بريغوجين في رسالة صوتية نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بالانتقام من الجيش الروسي، قائلا إن وزير الدفاع سيرغي شويغو هو من أمر بالتصدي لقوات فاغنر، دون مزيد من التفاصيل.
في حين علق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحركات قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين، إن ما يجري تمرد مسلح سيتم الرد عليه بشكل قاس.
وقال بوتين -في كلمة عبر التلفزيون- إن ما يحدث خيانة داخلية وطعنة في الظهر، وإن "الذين نظموا التمرد المسلح ورفعوا السلاح ضد الرفاق في القتال خانوا روسيا وسيتحملون مسؤولية ذلك".
وتحدث بوتين عن اتخاذ إجراءات صارمة وقاصمة لإعادة الاستقرار في مقاطعة روستوف (جنوبي روسيا)، التي قال بريغوجين إنهم سيطروا على كل المنشآت العسكرية فيها، بما فيها المطار، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية تلقت أوامر بإعلان حالة مكافحة الإرهاب، والقوات المسلحة الروسية تلقت أمراً بتحييد أولئك الذين نظموا التمرد المسلح".
وكان بريغوجين أمر قواته بالتحرك من أوكرانيا إلى داخل روسيا بعد اتهامه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بإصدار أوامر بقصف قوات فاغنر داخل الأراضي الأوكرانية. وكان قائد مجموعة فاغنر دخل منذ مدة في خلاف مع القيادة العسكرية الروسية على خلفية حرب أوكرانيا المستمرة منذ شباط 2022.