منير الربيع
على أكثر من إيقاع دبلوماسي وعسكري، تحركت إيران في دول المنطقة في الأسبوعين الفائتين. زيارات لمسؤولين عسكريين ودبلوماسيين إلى لبنان وسوريا والعراق، وكان أبرز هذه الزيارة جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. بالإضافة إلى زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد، بينما تحدثت معلومات عن زيارة مسؤول عسكري إيراني يقال إنه أحد مساعدي قاآني إلى لبنان أيضاً للبحث مع حزب الله في تطورات الوضع وكيفية التصدي لأي تصعيد قد تشهده المنطقة.
ارتكزت الزيارات العسكرية إلى البحث عن كيفية الصمود والتحضير لأي مواجهة قد تندلع مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتي لديها مشكلات داخلية قد تلجأ للالتفاف عليها إلى الذهاب لحرب خارجية. أما الزيارة الدبلوماسية لعبد اللهيان فكان لها عنوانان أساسيان، الأول إعادة تجميع قوى محور الممانعة والتحضير لأي تصعيد قد يحصل. والثاني التركيز على ضرورة التهدئة في الساحات الداخلية لا سيما في العراق ولبنان مع الاستعداد لفتح قنوات الحوار مجدداً مع دول الخليج ولا سيما مع المملكة العربية السعودية، والهدف من وراء ذلك هو تخفيف حدة التوتر والتهدئة في حال حصل تصعيد إسرائيلي.
يأتي هذا التحرك الإيراني على وقع ارتفاع منسوب التوتر بين طهران والأوروبيين، وبين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إذ ذهبت الأخيرة إلى إجراء مناورات عسكرية موسعة وشاملة مع إسرائيل تحاكي احتمال اندلاع مواجهة مع الجمهورية الإسلامية. من هنا لا بد من ملاحظة الاختلاف الأوروبي في التعاطي مع إيران، وذلك نزولاً عند حسابات أوروبية صرفة إذ يعتبر الأوروبيون أن طهران قد تورطت بالدم الأوروبي، ولا يمكن احتمال دعمها لروسيا بالطائرات المسيرة، وهذا ما سيقوض كل الاتجاهات إلى اعتماد اللين مع إيران مقابل رجاحة كفة التشدد تجاهها. لم يصل هذا التعاطي حتى الآن إلى حدود التزام الحكومات الأوروبية بما صوت عليه البرلمان الأوروبي حول تصنيف الحرس الثوري إرهابياً. ولكن على الرغم من عدم الإقدام الأوروبي إلا أن الضغوط على إيران ستتزايد في الداخل والخارج.
لذا لا بد من إلقاء نظرة على واقع الدول التي تعيش تحت الكنف الإيراني أو خاضعة لنفوذ طهران، فهي تعيش حالات من الانهيارات المتوالية، من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا. وسط فقدان طهران وحلفائها لأي قدرة على ابتزاز شبكة المصالح الأميركية أو الخليجية في هذه الدول. في العراق ضغوط وتظاهرات وتحركات شعبية على وقع انهيار الدينار، وفي لبنان تحركات وتظاهرات على خلفية الانهيار المستمر لليرة اللبنانية إلى جانب الضغوط القضائية والتي يعتبرها حزب الله استهدافاً جديداً له. وما لا يخفى هو مدى تأثر الواقع السوري في انهياراته المتوالية بالانهيارين اللبناني والعراقي.
كل هذه التطورات هي التي استدعت زيارة عبد اللهيان إلى المنطقة لتشير إلى أن طهران تسعى إلى إعادة لملمة الوضع بعد حصول تشتت على الساحة السورية، خصوصاً بفعل الاندفاع التركي للتطبيع مع النظام برعاية روسية. رغم تقاطع المصالح الأميركية الإيرانية حول وقف مسار تنمية العلاقة أو تطويرها بين أنقرة ودمشق.
لا يخفى الانزعاج الإيراني من الخطوة التركية السورية، إذ تعتبر طهران أن ما يجري هو محاولة للالتفاف على نفوذها أو لتطويقه. وهذا لا يمكن فصله عن مسار التهديدات الإسرائيلية المستمرة في توجيه ضربات للمزيد من المواقع الإيرانية بغية إخراج طهران من نقاط أساسية في سوريا. في هذا السياق تتحدث معلومات عن عملية إعادة تموضع تجريها القوات الإيرانية وقوات حزب الله في سوريا، من خلال الانسحابات من مناطق معينة. كما أن المعلومات تشير إلى مفاوضات إيرانية روسية حول انسحاب طهران من مطار دمشق ومحيطه وتسليم نقاط النفوذ فيه إلى الروس وذلك لتجنب المزيد من الضربات وكي يبقى المطار قيد العمل. إنها مرحلة من مراحل التصعيد، والتي قد تقود إلى تسوية تدفع إيران لتقديم تنازلات، أو إنها ستؤدي إلى مواجهات تكون نتيجتها المزيد من الانهيارات.
المصدر: تلفزيون سوريا