خاص – الطريق
رغم المبالغ الضخمة التي تعهد أبو أحمد ( 40عاماً) المنحدر من قرى ريف حماة الشمالي بتسديدها إلى إحدى المشافي الخاصة مقابل إنقاذ حياة طفله البالغ من العمر سنتين، إلا أن خطأً طبياً سببه الطبيب المخدر كاد أن يودي بحياة الطفل أثناء إجراء عملية جراحية له، وجعله يمكث في مشافي عدة لمدة شهرين متتاليين.
يقول أبو أحمد لـ "الطريق"، إنه أدخل طفله إلى مشفى العموري الخاص في مدينة حماة بقصد إجراء عملية "فتاقة" مستعجلة، ليتبين فور دخوله إلى المشفى وإجراء التحاليل اللازمة له، أنه مصاب بالتهاب حاد في الصدر والقصبات؛ ما دفع الكادر الطبي لتأجيل العمل الجراحي ريثما يتماثل الطفل للشفاء من الالتهاب لضمان سير العملية بنجاح.
ويُضيف والد الطفل بعد يومين من العلاج أدخلوا طفلي إلى غرفة العمليات لإجراء العملية، ومع مرور الوقت سمعت صراخ الطبيب الجراح يطلب أخصائي القلب والأطفال إلى العمليات بالسرعة القصوى، ليتضح أن طفلي قد توقف قلبه نتيجة جرعة المخدر الزائدة عن حدها، ليعود للحياة مجدداً بعد تدخل الأطباء المذكورين وإنهاء العملية.
ويضيف، "انتهت العملية بنجاح وأعادوا الأمعاء إلى مكانها بعد أن تغيرت نتيجة الفتق، لكن بقي الخطر موجوداً والألم يفتك بجسد الطفل لأسباب مجهولة عجز كادر المشفى عن ايجادها، مما دفعنا لنقله إلى مشافي دمشق بعد عدة أيام واتضح هناك أن فقاعات كبيرة من الهواء دخلت جسم الطفل نتيجة الأخطاء الطبية، حيث تم تفريغها عبر جهاز مخصص لهذا الإجراء وبدأ الطفل حينها يتماثل للشفاء تدريجياً".
وأشار أبو أحمد خلال حديثه لـ "الطريق" إلى أن 3 شبان وأكثر من 7 أطفال توفوا خلال فترة تنقله بين المشفى الخاص والوطني بحماة، لافتاً إلى أن معظمهم يأتون بأمراض وأعراض بسيطة بحسب حديث أهاليهم، ناهيك عن الاجور المرتفعة، والتي تصل بعضها إلى مئة مليون ليرة سورية، موضحاً أن فاتورة تكاليف علاج طفله وصلت إلى 50 مليون ليرة، وأنه قام برفع شكوى على إدارة المشفى على خلفية الأضرار التي لحقت بابنه.
*إهمال وفقدان الخبرة:
أكدت مصادر مطلعة لـ"الطريق"، أن معدل الوفيات في مشافي حماة الخاصة والمشفى الوطني ارتفع بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ذلك نتيجة الأخطاء والإهمال الطبي من جهة، إلى جانب عدم وجود الخبرة والمختصين القديرين بعد هجرة أعداد ضخمة جداً من نخبة الأطباء إلى خارج القطر، بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية من جهة أخرى.
وهذا ما أكده الطبيب محمود الأبرش (اسم مستعار لخريج من كلية الطب البشري سنة ثانية اختصاص جراحة) حيث قال في تصريح لـ "الطريق"، إن مجال الطب بأنواعه واختصاصاته بات مصدر رزق يدر مبالغ كبيرة من المال للخريجين الجدد من عديمي الخبرة وصولاً إلى أصحاب الشهادات المزورة الذين حصلوا على شهادات تخرجهم بقوة السلاح والمال عن طريق متزعمي المجموعات التشبيحية الخارجين عن السلطة والقانون، ثم بدأؤ مزاولة مهنة الطب بالواسطات أيضاً بالمشافي الخاصة والعامة في ظل ندرة المختصين، وفي محاولة لسد النقص الحاصل ضمن القطاع الصحي على الرغم من عدم توفر الخبرة أو الانتهاء من الاختصاص، الأمر الذي ينتج عنه مئات الأخطاء الطبية القاتلة للمرضى.
ولفت الأبرش في حديثه، إلى أنه يستطيع اليوم العمل ضمن أي مشفى من المشافي الخاصة التي باتت مراكز للتجارب ومسالخ بشرية بعيدة كل البعد عن المهنية والإنسانية، علماً أنه يحتاج إلى ثلاثة سنوات أخرى حتى يحصل على شهادة الاختصاص.
*أجور باهظة ومحاسبة غائبة:
غالباً ما تمر الدعاوى المرفوعة ضد الأطباء والمشافي العاملة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد بالتبرئة في المحاكم التابعة له بعد تقديم الأعذار الشائعة من قبل القضاة العاملين في محاكمه والتي من أهمها "الخطأ الغير مقصود"، وبالتالي من الطبيعي مشاهد الازدياد الملحوظ في الآونة الأخيرة بعدد الوفيات والمتضررين من تلك الأخطاء الطبية التي تحميها التشريعات القانونية والمسؤولين العاملين في حكومة الأسد في ظل غياب محاسبة الفاعلين وتنزيل العقوبات بحقهم، الأمر الذي قد يساهم أيضاً برفع أجور المعاينات والعمليات الجراحية وغرف الحجز التي قد تصل إلى عشرات الملايين، في وقت يعيش المدنيين في تلك المناطق بفقر مدقع لا سيما في الأسابيع الأخيرة التي شهدت فيها الليرة السورية انخفاضاً حاداً بقيمتها مقابل الدولار الأمريكي.