austin_tice

صحافة

توقيت وخلفيات الضغوط الأوروبية على قطر

الاثنين, 28 نوفمبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

حسن الشاغل 


تستضيف قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم، أكبر المسابقات الدولية على مستوى العالم، وبذلك تكون قطر هي أوّل دولة عربية إسلامية شرق أوسطية تستضيف بطولة بهذا الحجم. 

ومع اقتراب موعد انطلاق البطولة تعرّضت قطر لحملة تشويه كبيرة يقف وراءها العديد من الدول الغربية في مقدمتهم ألمانيا وإنكلترا، وركّزت ادعاءات الدول الغربية الملفقة على حقوق المثليين، والعمال، وحقوق الإنسان. ولاقت تلك الادعاءات رفضاً كبيراً من المجتمع العربي والإسلامي الذي ساند دولة قطر بطرق متعددة، العديد من المحلّلين فسّروا الهجوم الغربي على قطر من جانب قومي وديني باعتبار أن قطر دولة عربية إسلامية، الأمر الذي لم يلاق استحسان السياسيين الغربيين. 

في سطور هذه المقالة حاولت تسليط الضوء على جوانب أخرى من الهجمة على قطر وتوقيتها الذي بدأ قبل انطلاق البطولة بأيام:

رفض العروض الأوروبية لتوريد الغاز وتحديد الأسعار 

تصنّف قطر في المرتبة الثالثة عالمياً باحتياطيات الغاز التي تبلغ 24 تريليون متر مكعب، ما يمثل نحو 13.1% من إجمالي احتياطيات العالم. وأنتجت عام 2020 أكثر من 170 مليار متر مكعب من الغاز المسال، وبذلك تعد الدولة الأولى عالمياً في إنتاج وتصدير الغاز المسال، كما تمتلك قطر أكبر أسطول لنقل الغاز المسال على مستوى العالم، يضم 69 سفينة نقل. 

انطلاقاً من هذه المعطيات تسعى دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا، أكبر مستهلك للطاقة في أوروبا لتعويض جزء من الغاز الروسي عبر عقد اتفاقيات استيراد الغاز من دول الخليج وبشكل خاص من قطر، ولتحقيق هذه الغاية زار المستشار الألماني دول الخليج العربي (السعودية، وقطر، والإمارات) لعقد اتفاقيات استيراد الغاز. 

ولحين كتابة هذه المقالة لم يُفصح سوى عن اتفاقية وقّعتها ألمانيا مع الإمارات، ولا تشكّل الكمية المتفق عليها بين برلين وأبو ظبي أي تأثير على السوق الألمانية.. ومن المعلوم أن قطر تصدّر حالياً نحو 16.4 مليون طن من الغاز إلى أوروبا والذي يمثل 20.5% من صادراتها، بينما يمثل 5% من احتياجات السوق الأوروبية، وتذهب غالبية الصادرات إلى ألمانيا. 

وحاولت برلين خلال زيارة المستشار الألماني، إقناع الدوحة على التوقيع على صفقات لاستيراد الغاز المسال، لاسيما بعد بدء ألمانيا تأسيس خمس محطات عائمة لتسييل الغاز، إلا أن قطر ملتزمة بعقود طويلة الأجل مدتها 10 سنوات وأكثر مع مستهلكين أساسيين، وفي مقدمتهم الصين واليابان، وهم من كبار مستهلكي الطاقة على مستوى العالم إلى جانب أميركا والهند. 

من الواضح أن قطر رفضت طلب المستشار الألماني في تحويل صادراتها من دول شرق آسيا إلى أوروبا، لأنّ هذه العملية ستفقد قطر حصة مهمة وكبيرة في سوق الغاز العالمية، ولن تستطيع تعويض تلك الحصة في المستقبل بشكل سهل، وقد تؤدي إلى اهتزاز ثقة مستوردي الغاز من قطر ويسيء لصورتها كمصدر موثوق في السوق الدولية للغاز، والأهم من ذلك لا تثق قطر بسوق الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول التخلّص من استهلاك الوقود الأحفوري وتعويضه بمصادر الطاقة النظيفة والمستدامة. 

الأهم من ذلك، رفضت قطر بشكل كبير سياسات ومطالبات دول الاتحاد الأوروبي بتحديد سقف أسعار الغاز الطبيعي الروسي، الذي سينعكس بدروه على انخفاض أسعار الغاز في السوق الدولية، إذ تشكل تجارة الغاز المسال لقطر جزءاً مهماً من إيرادات الدولة المالية مما يجعل الدوحة تحاول المحافظة على أسعار مرتفعة، الأمر الذي ترفضه الدول الأوروبية في الفترة الحالية، التي تهدف إلى تخفيض أسعار الغاز المرتفعة، وحرمان روسيا من تحقيق إيرادات مالية من تجارتها للغاز. 

عدم تلبية قطر لطلب ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى من المحتمل أنه قد دفعهم إلى تلفيق التهم تجاه قطر حول حقوق الإنسان والاعتراف بالمثليين وبعدم أحقيتهم باحتضان كأس العالم.

قطر دولة صغيرة بفعل دولة متوسطة 

تصنّف قطر كدولة صغيرة بحسب المعايير الكمية لقياس حجم الدول بعدد السكان ومساحة الدولة، حيث تبلغ مساحتها 11437 كيلومتراً مربعاً، وتمتد نحو 160 كيلومتراً شمالاً في الخليج العربي من شبه الجزيرة العربية. يبلغ عدد سكانها 2.875.000 نسمة، 320 ألفاً منهم فقط قطريون، والباقي موزعون وفق الآتي: هنود (24٪)، نيباليون (16٪)، عرب (13٪)، فلبينيون (11٪)، بنغلاديشيون (5٪)، سريلانكيون (5٪). 

قلة عدد السكّان في قطر دفعها لجلب عدد كبير من العمالة من الخارج، كما منحت جنسيتها القطرية لعدد كبير من السكان الأجانب، بهدف زيادة عدد سكّان الدولة. 

في العلاقات الدولية لا تلعب الدول الصغرى دوراً مؤثراً في تنظيم أو تشكيل المجتمع الدولي، بل تصنف الدولة الصغرى بالدولة التي تتأثر بما يُفرض عليها من الدول الكبرى، لكن قطر كدولة صغيرة استطاعت عبر سياستها الخارجية لعب دور دولي كبير في مجال الوساطة الدولية، وفي حل العديد من الخلافات بين الدول، وهي الآن تحتضن بطولة كأس العالم. 

وهذا يعني أنها كسرت قاعدة الدولة غير المؤثرة في المجتمع الدولي، بحكم أن تنظيم هذه البطولة تحتاج إلى مقومات ضخمة يتقاسمها في بعض الأحيان دولتان معاً مثل مونديال كوريا واليابان، والمونديال المقبل سيكون بين ثلاث دول: كندا والولايات المتحدة الأميركية والمكسيك. 

كسر قطر لقاعدة الدولة الصغيرة غير المؤثرة ولعبها لدور الدول المتوسطة، لم يعجب الدول الغربية، لأن ذلك بوجهة نظرهم قد يشجع الدول الصغرى الأخرى بالطموح للعب دور أكبر في السياسة الإقليمية والدولية، لاسيما أنّ أوروبا يوجد فيها العديد من الدول الصغرى، ومن الممكن قراءة وجهة النظر الغربية ضد تنظيم قطر لكأس العالم من هذه الزاوية كجزء من الحقيقة. 

بطبيعة الحال ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى لم تبدِ السياسة نفسها تجاه مونديال روسيا عام 2018، على الرغم من أن الأخيرة كانت من أكثر الدول انتهاكاً لحقوق الانسان، واحتلت جزيرة القرم، وارتكبت الجرائم في سوريا، لكن استمرار تدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا والدول الأوروبية بشكل مستمر وبأسعار مناسبة منعهم من اتخاذ موقف مشابه لموقفهم الحالي من قطر بعدما رفضت مطالب ألمانيا والدول الاوروبية في تغيير سياستها تجاه أسواق الغاز حماية لمصالحها في سوق الطاقة الدولية، والمحافظة على سياسة خارجية نشطة. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :