عبد الناصر حوشان
“في وقت الخداع العالمي يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريّاً”.. جورج أورويل.
قال الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم: “الحكيم هو من يُفَصِّل اعتقادَه عَلى قَدِّ البيِّنَة”، وانطلاقاً من هذه الحِكمة ولكي لا نُفجع عند كل شاردة وواردة، وعند كل تصريح أو بيان، علينا البناء على الحقائق، وفهم الأمور في سياقها الطبيعي، وتوقّع حدوث التعيّرات الطارئة، فإذا اعتمدنا هذا المنهج في علاقاتنا مع بعضنا البعض، أو علاقاتنا مع الغير على مستوى المنطقة – المدينة – العشيرة – الثورة – الفصيل …، أو علاقة قوى الثورة مع قوى المعارضة، أ وعلاقة قوى الثورة مع الدول الاقليميّة أو المنظمات الدوليّة.
نستطيع قراءة المواقف والتصريحات والقرارات والبيانات بشكل صحيح، وبالتالي نكون قد حصّنا أنفسنا من “الوهم والخداع والخيانة” وبالتالي عزّزنا مناعتنا ضد الإشاعات والتسريبات المجهولة والمغالطات والافتراءات وكل ما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالنفس وهي أولى خطوات الهزيمة.
هناك ثلاث قواعد اساسية يجب على كل ثائرٍ حرٍ سوريٍّ أن يعلمها وهي:
1- أن المجتمع الدولي وضع خارطة طريق للحل السياسي في سورية تقوم على “التفاوض” بين المعارضة والنظام وهذا يعني الإعتراف المتبادل بين المتفاوضين أي الاعتراف بالنظام كحكومة شرعيّة بالمعنى القانوني الدولي، واعتراف النظام بالمعارضة كتيار سياسي شرعي معارض، وفي الفقه السياسي قاعدة تقول: “المعارضة هي الوجه الآخر للسلطة القائمة”، أي أن شرعيتهما متبادلة حيث تستمدّ من خلال شرعيّة كل منهما، والشرعية في هذه الحالة هي”الشرعيّة الدستوريّة”، التي تحاول المعارضة الحصول عليها من خلال مفاوضات اللجنة الدستوريّة وعمليّة “الإصلاح الدستوري” الذي يعني في إحدى صوره تعديل الدستور القائم وهو ما انصبّت عليه جولات اللجنة الدستوريّة التسع.
وبعد إقرار مجلي الأمن الدولي القرار2254 لعام 2015 بالإجماع، و تمسك المعارضة بها رغم نسفه “خطة عنان ونقاطها السٍتّ وبيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013 ” وفرض المقاربة الروسية القائمة على استبعاد فكرة “تغيير النظام” عبر تشكيل هيئة الحكم الانتقالي إلى تكريس فكرة الشراكة مع النظام عبر “هيئة حكم ذات مصداقيّة غير طائفيّة” التي تنتهي حكماً إلى أحد الإحتمالات الثلاث التالية: “محاصصة – تقاسم سلطة – شراكة متوازنة” بينهما، وتنتهي هذه الشراكة إلى استبعاد فكرة “العدالة الانتقاليّة” وإحلال العدالة التصالحيّة محلها ، وهذه الألفاظ والمصطلحات تم تمريرها في المفاوضات وإقرارها والعمل جارٍ عليها عبر منصات ” المعارضة ” وعبر منصات ومنظمات المجتمع المدني المرتبطة بعمليّة التفاوض.
باختصار “الحل في سوريّة وفق مقاربة الأمم المتحدة وبالتالي كافة أعضاء الأمم المتحدة هي “التفاوض لإحلال السلام في سوريّة” الذي يؤدي إلى الصلح، وهذا ما تؤكِّده التصريحات الخاصّة للدول ومسؤوليها وتصريحات المبعوثين والمسؤولين الدوليين، والتي لن يُعيينا اكتشاف حقيقتها من أنها تدور في هذا الفلك مهما تغيّرت العبارات والألفاظ حيث أن القاعدة الفقهيّة تقول أن: “الأمور بمقاصدها” ومنها تنبثق قاعدة: العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني،”أي أن العبرة في الحكم على المواقف ولتصريحات الدولية والاقليميّة يبنى على الأصل الذين ينصّ على أنّ “لا حل عسكري في سوريّة”، الذي أصبح قاعدة دوليّة مُلزِمة لكافة الدول والأطراف ذات العلاقة بالصراع في سوريّا، وليس على التصريحات السياسيّة التي مهما دارت تبقى مرتبطة بالأصل المذكور.
2- لا يوجد قراراً دولياً و اقليمياً أو فردياً من أية دولة في العالم بالتدخّل في سوريّة بهدف اسقاط النظام أو تغييره أو حتى تغيير سلوكه بالقوة ، وبالتالي لا يجوز التعويل على أحد في اسقاط النظام أو تغييره مهما بلغت درجة تحالفه مع المعارضة أو مع قوى الثورة، وأن مواقف الدول الإقليمية التي تدخّلت عسكريا في سورية هي مواقف متغيّرة وليست ثابتة وكل هذه الدول تدخّلت في سوريّة تحت ذريعة ” الحرب على الإرهاب” ومن المعروف أن هناك ” استراتيجيّة أممية ” لمحاربة الارهاب تفرض على جميع الدول التعاون فيما بينها في القضاء على الارهاب حتى لو كانت ” متحاربة ” أو في حالة ” نزاع ” قوم بهذه المهمّة ” أجهزة الاستخبارات ” في كل دولة بالتنسيق مع ” مخابرات النظام السوري ” باعتباره ما زال عضواً في الأمم المتحدّة تنفيذاً لقرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة رقم ” 288 لعام 2006″ وبالتالي فإن الموقف التركي أو مواقف دول التحالف الدولي مرهونة بتحقيق اهدافها المتمثِّلة في القضاء على الحركات الارهابيّة المدرجة على لوائحها، ودليل ذلك أن كل هذه الجيوش لم يُسجّل لها القيام بأيّ اشتباك مباشر منها ضد عصابات النظام إلا في سياق الدفاع عن النفس الذي أقرّته ” قواعد التدخّل وتفاهمات وقواعد الإشتباك التي أرستها كل من روسيا و الولايات المتحدة في قمة ” هلسنكي 2018 “، و تركيا وايران وروسيا في” استانا و سوتشي”.
3- عملية الحل السياسي هي أقرب إلى ” الوصاية ” من ” الرعاية ” الدوليّة، تمارسها كل من روسيا و الولايات المتحدة على الشعب السوري، وهما من يوزِّعان الأدوار و المهام على بقية الدول ، وهما من يضعان معايير قبول ورفض أو استبعاد ” الأطراف السوريّة ” الشريكة في عمليّة الحلّ السياسي عبر لوائح التصنيف ، دون أي اعتبار لشرعيّة أو مشروعيّة تمثيلها إذ تعتبر هذه المعارضة ” معارضة وظيفيّة ” مثلها مثل ” النظام الوظيفي في دمشق ” كأدوات من أدوات إدارة الصراع الدولي في سوريّة ، و أن جميع الحلول المطروحة تقوم على ثلاثية ” المصالحة – الفيدرالية – العلمانيّة “.
وحيث أنه ” لَيسَ بالحَقِّ وَحْدَهُ تَكسِبُ جَدَلًا أَوْ تَقهَرُ خَصْمًا أَوْ تُقنِعُ النَّاس ” كما قال أفلاطون ، فإنه يتوجّب على كل سوري حرٍّ أن يساهم في بناء وعيٍ ثوريٍ عام صحيح يُعزّز الثقة بالنفس ويحصِّن العقل من تكريس المغالطات، وتنمية قدرات التمييز بين الحقيقة والباطل وبين الحقّ والافتراء، مما يمكننا الحكم على الأمور بالشكل الأمثل ويمكننا من تقدير المواقف بشكل سليم الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات صحيحة وقويّة تعود بالخير على الجميع بعيداً عن الارتجاليّة والفوضويّة التي لا تثمِر إلا الفشل والانتكاسات المُدمِّرة.
المصدر: رسالة بوست