عبد الناصر حوشان
لا يكاد يخلو بيان دولي أو إقليمي أو ثوري أو معارض على مدى سنين الثور من التأكيد على أمر وجوب احترام، والحفاظ على السيادة الوطنيّة للجمهوريّة العربيّة السوريّة.
ولِما لهذا المصطلح من أهميّة وخطورة التي قد تخفى على الكثير منّا لعدم الإلمام بمفهومها ومعانيها وأبعادها القانونية والدستوريّة وآثار التمسّك بها على إطلاقها، الأمر الذي يستوجب تسليط الضوء عليها، وما يهمّنا في هذا المقال هو بيان الأثر القانوني لهذه البيانات ومضامينها.
تعريف السيادة: هي، ” السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب المُلزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال”.
وهذا التعريف الأكثر دقّة من بين التعاريف العديدة لها.
وتُشكّل السيادة أحد الأركان الجوهرية التي تُبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، كما تُعد من المبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية، وهي مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة ويُعبِّر عن خصائصها وأركانها الأساسيّة، وهي شرط أساسي لعضويّة الأمم المُتحدة والمنظّمات والهيئات الدوليّة والإقليمية، وهي الركن الأساسي للاستقلال الوطني للدولة، ولها مظهرين خارجي وداخلي.
المظهر الخارجي: وهو ما يُعرف بـ ,,الاستقلال السياسي،، وهو منظومة العلاقات الخارجية مع باقي دول العالم، وتحكمها المبادئ التالية:” الاستقلال، والمساواة، ومبدأ عدم التدخل” التي تضمن احترام الدستور والقانون الوطني والأنظمة الداخليّة لكلّ دولة، واحترام المصالح الوطنيّة والسياديّة وخصوصيّة كلّ دولة من هذه الدول، وعدم خضوعها لأي دولة دون إرادتها في تحديد علاقاتها أو تنظيم وإدارة شؤونها الداخليّة والخارجيّة .
أما المظهر الداخلي: ويتمثل في الدستور والقانون وإدارة البلاد وتوزيع السلطات ضمن إقليمها ومحافظاتها، وعلى الشعب والرعايا الذين يعيشون في كنفها، ومنها حق الدفاع عن الأرض والشعب والدستور والسهر على تطبيق القانون، وتكون سلطة الدولة على سكانها هي العليا، ولا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها.
وتُصنّف الدول من ناحية درجة تمتعها بالسيادة إلى دول كاملة السيادة وهي التي تتمتّع بالاستقلالية التامّة في إدارتها لشؤونها الداخلية والخارجية، بما في ذلك أنظمتها الاجتماعية والاقتصاديّة وشكل الحكم فيها، وأنماط علاقاتها الخارجية.
ودول منقوصة السيادة وهي التي تخضع أو تَرتَهِن لدولة أخرى تُقاسِمُها هذه السيادة، وأهم أسباب الخضوع والارتهان، الفقر والضعف، والتخلّف، التي تدفعها للاستعانة بالدول الغنية والقويّة، على حساب بعض مظاهر السيادة فيها، مثل السياسة الخارجيّة، أو نمط الحكم وشكله، أو العلاقات الاقتصاديّة، أو نمط التحالفات الدولية، وشروط انتفاعها بثرواتها الداخليّة، كالمياه، وحقول الغاز، والنفط.
و النظام السوري ومن ورائه روسيا و إيران وبعض الدول تحاول الحفاظ على ” السلطة ” باعتبارها أحد مظاهر السيادة الوطنيّة والمتمثِّلة بالنسبة لهم بالنظام السوري، لذلك نجدها تضع موضوع احترام السيادة الوطنيّة شرط أساسي في أي تفاهمات أو قرارات دوليّة وخاصّةً في قرارات مجلس الأمن باعتبار أن لهذه القرارات قوة مُلزِمة لأعضاء الأمم المتحدّة، والمنظمات الدوليّة والإقليميّة، الأمر الذي منح النظام السوري المجرم الحصانة من المحاسبة عن جرائم الحرب، بإعتباره أنه يمارس سيادته الوطنيّة، وواجباته الدستورية والقانونيّة الوطنيّة، فتمادى في القتل والاعتقال التعسّفيّ والإخفاء القسريّ والتعذيب والاغتصاب والتدمير والتهجير ، وسن القوانين والتشريعات القمعيّة، ومنح الحصانات القانونيّة للمجرمين.
وحيث أن السيادة من وجهة نظر جان جاك روسو ” ماهي إلا تعبيرٌ عن الإرادة العامة، ويمتنع على الأفراد التنازل عنها، لأن هذا التنازل يؤدي بشكل قهري إلى زوال الإرادة؛ فحين تزول الإرادة تنعدم الشخصية القانونية، وتنعدم معها السيادة”.
وحيث أن السيادة الحقيقية في الجمهوريّة العربيّة السوريّة وفق الدستور هي للشعب، وما السُلطة إلا مجرّد مظهر سيادة هذا الشعب فهو يمنحها الشرعية وهو من ينزعها عنه، وحيث أن الشعب السوري قد قال كلمته منذ أحد عشر سنة بأن “لا شرعيّة لنظام الأسد”، وبالتالي زوال هذه الشرعيّة المشكوك بها أصلاً عنه.
وحيث أن أركان الدولة ثلاثة: ” الإقليم والشعب والسلطة السياسية ” والسلطة السياسية تعني صلاحية تسيير الشؤون العامة في الدولة نيابة عن الشعب داخل الإقليم وهي من هذا المنظور الركن المتغيّر في كيان بناء الدولة الذي يمكن تغييره إما بالانتخابات، أو الانقلابات، أو الثورات، وهو ما عبّر عنه الشعب السوريّ من خلال الثورة ومن خلال الانتخابات المزيّفة التي أجراها النظام المُجرِم وعليه يجب تحديد المقصود بالسيادة الوطنيّة عند الحديث عنها في سوريّة وعدم التسليم بها على إطلاقها.
وبناء على ذلك فإن: “تمرير قوى الثورة أو المعارضة مصطلح” سيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة، دون التحفّظ على شرعيّة النظام السوري ووجوب إسقاطه استجابة لقرار الشعب، هو إقرار ضمني بشرعيّة هذا النظام، ونزع مشروعيّة الثورة ومؤسساتها وتحويلها إلى حركة تمرّد أو عصيان مُسلّح، من حقّ السلطة الشرعيّة القضاء عليها حفاظاً على الأرض والشعب والدستور والقانون.
المصدر: رسالة بوست