المحامي عبد الناصر حوشان
نصّت المادة الحادية عشر من القانون رقم ” 15 ” تاريخ / 28/ 03/ 2022 / المتضمن تعديل بعض نصوص قانون العقوبات على ما يلي: تعدل المادة “٢٨٦” من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “١٤٨” لعام “١٩٤٩ “وتعديلاته، لتصبح على النحو الآتي:
يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها بث اليأس أو الضعف بين أبناء المجتمع. بدل من النص السابق الذي كان ينص على أنه: يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة.
الخطورة في هذا التعديل هو تغيير المفاهيم والمصطلحات الذي طال مصطلح ” الأمة ” حيث تم إستبداله بمصطلح ” أبناء المجتمع”، وللوقوف على دلالات هذه التغيير لابدّ لنا من العودة إلى الفقه الدستوري في تعريف بعض المصطلحات للوصول إلى معرفة هدف النظام من ذلك وهي مصطلحات ” الأمة والمجتمع والشعب والدولة “:
إن لفظة “الأمة” ومدلولها أسبق من الدولة وبالتالي هي أسبق من مفهوم الشعب والمجتمع، التي لم تُعرف إلّا في العصر الحديث، بينما الأمم أقدم بالوجود.
الأمة: جماعة بشرية تجمعها روابط كوحدة الأصل واللغة والدين والتاريخ المشترك وغيرها من الروابط التي تجعل منها وحدة لها كيانها الذي يميزها ويولد لدى أفرادها الإحساس بانتمائهم إلى هذه الوحدة الاجتماعية.
المجتمع: مصطلح قانوني وسياسي يستخدم للإشارة للجماعة من أي جنس تربطهم روابط واضحة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين من ناحية، كما يستخدم مصطلح المجتمع للدلالة على جماعة سياسية ” متخيلة” تم تخيلها على أساس، إنها محدودة ولها سيادة، تربطها المصالح المشتركة والغايات الواحدة او حتى النسب المشترك من ناحية أخرى.
مفهوم الشعب: للشعب مفهومان، المفهوم الاجتماعي والمفهوم السياسي:
المفهوم الأول: يعني أن الشعب هو كافة الأفراد الذين يقيمون على إقليم الدولة، وينتمون إليها، ويتمتعون بجنسيتها، ويطلق على هؤلاء رعايا الدولة الوطنيين.
أما المفهوم الثاني: يعني أن الشعب هو مجموعة الأفراد الذين يتمتعون بحق ممارسة الحقوق السياسية، وعلى هذا يبقى الشعب بمعناه الاجتماعي، أوسع نطاقًا من الشعب بمعناه السياسي، الذي يستبعد فئات متعددة من أفراد الشعب، بحكم مركزهم القانوني.
الدولة: كيان فرضه الواقع القانوني، يشمل الأرض والشعب والسلطة، كما أنّ الدولة قد تجمع تحت ظلها عدة أمم، فتتوسع وقد تشمل عددًا من الأقاليم المختلفة في العرق، والتاريخ، واللغة، والعقيدة.
وحيث إن مفهوم المجتمع يتقاطع مع مفاهيم الشعب والقومية والعرق تارة ويتميز عنهم تارة أخرى، و حيث إن الفرق بين مفاهيم المجتمع و الشعب والأمة تتمثل في الروابط التي تقوم عليها، فالرابطة التي تجمع بين أفراد الأمة هي رابطة طبيعية معنوية تستند إلى عوامل معينة هي الأصل البشري، واللغة، والدين، والتاريخ المشترك، ولكن لا يترتب عليها أي أثر قانوني، أما الرابطة بين أفراد شعب الدولة فهي رابطة سياسية قانونية تفرض عليهم الولاء للدولة والخضوع لقانونها، وتفرض على الدولة في المقابل حماية أرواحهم وأموالهم وكافة حقوقهم التي يقرها القانون والتجانس ليس شرطا لوجود الشعب.
وعليه فإن مفهوم الأمة هو التعبير عن أصالة وحضارة وعمق تاريخ سكان البلد، إذ أنه ليس كل مجتمعٍ ” أمة “، فالأمة تجمعها روابط مشتركة هي أسس رسالتها الحضارية التي تستمدُّ احترامها ورقيها من تاريخ هذه الشعوب وما أضافته وتضيفه إلى الحضارة الانسانية. أما المجتمعات فهي تعبير عن تجمعات سكانية قد تكون متجانسة وقد تكون غير متجانسة وربما متنافرة أو متناحرة ، وقد تكون من طيف واحد وقد تكون مزيج من عدة أطياف وأعراق ، وقد تضم مكونات أصيلة وأخرى دخيلة فتصبح مجتمعات هجينة، و المجتمع الذي يحاول النظام السوري حمايته وتحصينه هو مجتمع سورية المفيدة أو المجتمع المتجانس الذي يتفاخر به بشار أسد و أزلامه، بعد تهجير أكثر من نصف الشعب السوري من الأكثرية العربية السُنّية، وتوطين وتجنيس عشرات الآلآف من الأجانب من المرتزقة الإيرانية و الأفغانية والعراقية و اللبنانية وغيرها من المرتزقة.
إن إسقاط النظام السوري مفهوم الأمة في هذا التعديل هو إعتراف ضمني بالوجود الفارسي في سورية و عِرفان للميليشيات الإيرانية بفضلها في الوقوف معه في حربه ضد الشعب السوري و عقاباً للأمة العربية التي وقفت ضده وضد الغزو الإيراني لسورية حيث تنكَّر لمفهوم عروبة سورية الوارد في مقدمة الدستور والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور ، والذي يقوم على إعتبار أن سورية هي إمتداد للحضارة العربية وهي جزء من الوطن العربي أرضاً و أن شعبها جزء جزءاً لا يتجزأ من الأمة لعربية .و إحلال مفهوم المجتمع بدل مفهوم الأمة يعني تكريس مفهوم ” المجتمع المتجانس ” الذي يتخيله بشار أسد ونظامه الذي تربط أعضائه علاقات المصلحة المشتركة والعداء المشترك للأكثرية العربية السنية من خلال تكريس تحالف السلطة مع الأقليات و حثالات ما تبقى من أهل السنة هذا التحالف الذي شنّ الحرب على الشعب السوري على مدى أحد عشر عاما و ارتكب ما يفوق التصوّر من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية و إستيلائهم على أراضي وأملاك ومقدرات السوريين ، الأمر الذي يستدعي تأمين الامتداد القانوني والتضامن بين الاجيال المتعاقبة وثبات واستمرار المصالح المشتركة في هذا المجتمع و توفير الحماية لهذا التحالف و تحصين أفراده من التعرّض لهم أو فضح جرائمهم ، من خلال إصدار قوانين تقوم بهذا الغرض وهي تشكّل قاعدة قانونية تعترف وتحمي هذه التركيبة التي استحدثها هذا النظام المجرم من خلال التغيير الديموغرافي الذي عمل عليه مع حلفائه الروس والإيرانيين وتوطين المرتزقة وتجنيسهم ومنحهم امتيازات وحقوق المواطن السوري الأصيل . لدرجة أنه اعتبر التعرض لنفسية ومشاعر هذه التركيبة جريمة جنائية الوصف ، من خلال فرض عقوبة الإعتقال المؤقت على من يرتكبها ومن المعروف ان عقوبة الإعتقال المؤقت في القانون السوري تعني أن الحد الأدنى للعقوبة يكون ثلاث سنوات والأعلى خمس عشرة سنة وفق نص المادة ” 44″ من قانون العقوبات العام ن ويمكن أن يبلغ الحد الأعلى في حال التكرار إلى ” ثلاثين سنة “، كما تتميّز هذه العقوبة بأنها أكثر العقوبات تطبيقاً من قبل محاكم النظام ضد “مرتكبي ” الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي وعلى مرتكبي الجرائم من العسكريين. كما أن عقوبتا التجريد المدني والحجر القانوني تُطبّقان حكماً وفي آن واحد مع العقوبة الأصلية.
وإن إسقاط مفهوم الأمة واستبدله بمصطلح المجتمع، هو إباحة كل جريمة ترتكب ضد ثوابت هذه الأمة وإن استبداله بمصطلح ” أبناء المجتمع ” يعني ضمنا اسقاط حق حماية ” نفسية” كل عربي سوري أو ثائرٍ خارج عن سيطرة النظام إذ لم يعد جزءاً من المجتمع المتجانس بعد إسقاط مفهوم الأمة الذي كان يمنحه تلك الحقوق. كما يعني تجريم أي تعرّض فردي أو جماعي بالقول أو الفعل للمجتمع المتجانس الذي تقوم عليه بِدعة النظام السوري المجرم دولة “سورية المفيدة ” يبيح الإعتقال والزجّ في السجون وفوق ذلك التجريد المدني والحجر القانوني اللذان يُسقطان الحقوق المدنية والعسكرية ويُسقِطان حقّ التصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة للمحكوم عليه.
المصدر : رسالة بوست