رأي

الدور التكاملي لقضيتيْ فلسط..ين وسوريا

الأحد, 29 أكتوبر - 2023

حسن النيفي


منذ اندلاع شرارة عملية (طوفان الأقصى) في السابع من شهر تشرين الأول الجاري، انفلت العنف الصهيوني من جميع عقالاته ولم يعد يستوقفه أي رادع قيمي سواء أكان إنسانياً أو قانونياً، ولعل هذا المسار المتوحّش هو الأكثر تماهياً مع طبيعة دولة إسرائيل التي نشأت وتنامت على نهج الاستئصال القائم على القتل واستمراء الجريمة في أبشع تجلياتها قذارةً. كما أنه لا غرابة في أن يتزامن ارتفاع وتيرة التوحش الصهيوني مع استمرار الشهوة العارمة لمزيد من التوحّش الموازي لنظام الأسد، فمنذ بدأ الطيران الإسرائيلي باستهداف السكان المدنيين في غزة، بدأ نظام دمشق حريصاً على زيادة منسوب العدوان من خلال طائراته وقذائف المدفعية باستهداف مدينة إدلب وأريافها إضافة إلى ريفي حلب وحماة، كما بدا حريصاً على أن تكون مشاهد الدمار وإزهاق الأرواح متماثلة سواء في غزة أو في الشمال السوري.

مسألة التناغم الأسدي الإسرائيلي في استهداف الشعبين السوري والفلسطيني لم تعد استنتاجاً مُستمدّاً من تحليلات السياسيين أو من انطباعات آنية عابرة، مثلما لم تكن أيضاً وليدة الصدفة أو ثمرة لتقاطع ظروف وأحداث محدّدة، بل الأدقّ أنها باتت حقيقة تؤكدها سيرورة تاريخية مليئة بالوقائع والأحداث التي أفصحت باستمرار عن ترابط المصالح بين نمطين من التوحّش كلاهما لا يجد مقوّمات وجوده ودوام استمراره في السلطة إلّا من خلال إمعانه المستمر في الإجرام بحق الشعوب، إذ يدرك الفلسطينيون بجميع انتماءاتهم الفكرية والسياسية أن التنكيل الذي طالهم من نظام دمشق منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، أي منذ مجازر تل الزعتر ومروراً بمجازر مخيمي البداوي ونهر البارد، وصولاً إلى مجازر مخيم اليرموك ومجزرة التضامن، لم يكن بأقلّ فداحةً ومأسويةً عما ارتكبته قوات الكيان الصهيوني بحق أهل فلسطين من جرائم، كما يدرك الفلسطينيون أيضاً أنه ما من نظام عربي مارس عليهم الابتزاز وحاول الاستثمار بقضية الشعب الفلسطيني كنظام الأسد، تماماً مثلما يدرك السوريون أن سجلّ الإجرام الأسدي لا يبدأ من آذار عام 2011، وإنما التداعيات المأسوية لمجازر حماة وسجن تدمر وحلب وجسر الشغور ما تزال قائمة حتى هذه اللحظة، وأن جميع ما ارتكبه بشار الأسد بحق السوريين من فظائع إنما هو نتيجة لاستمرار المنهج الاستئصالي الذي انبثق مع نشوء الحكم الأسدي في بداية سبعينيات القرن الماضي.

لعله من الصحيح أن الحديث عن تماثل التوحّش بين حكم الصهاينة والحكم الأسدي لم يعد ينمّ عن كشف جديد، أي لم يعد القصد منه التدليل على علاقة تماهٍ جديدة بين طرفين مجهولين، إلّا أنه في الوقت ذاته لا يمكن تجاوز هذه المسألة باعتبارها تجسيداً لمفصلٍ نضالي شديد الأهمية بين قوى التحرر للشعبين السوري والفلسطيني، وهذا يعني أن التجلّي الناصع لتخادم المصالح بين كياني الأسد وإسرائيل واغتصابهما معاً لحقوق الفلسطينيين والسوريين إنما يوجب على قوى التحرر الوطني في كلا البلدين أن يجدا في التخادم الأسدي الصهيوني منعطفاً نضالياً جديداً ليس بالضرورة أن يكون متماهياً في التنظيم والإدارة والاستراتيجيات العملية والميدانية التي تحكمها الجغرافيا والمعطيات السياسية المحايثة لكل قضية، بل المعني في ذلك هو تكامل التجربتين النضاليتين لشعبي فلسطين وسوريا، باعتبارهما حركتي تحرر تسعيان للدفاع عن حقوق وجودية متماثلة، إذ لا يختلف المسعى الإسرائيلي نحو إبادة سكان غزة أو اقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم ورمي من تبقى حياً منهم إلى مصر أو الأردن، عن المسعى الأسدي في صنيع لا يقل شناعة عن نظيره الإسرائيلي حين طرد سكان حلب الشرقية والغوطة وبلدات الريف الدمشقي ودرعا من بلداتهم وبيوتهم، إذ قام بحشر أكثر من أربعة ملايين مواطن سوري في الشريط الشمالي المتاخم للحدود التركية، وها هو اليوم يجعل من مخيماتهم هدفاً ثابتاً لطائراته وقذائف مدفعيته التي تحصد كل يوم عدداً من أرواحهم.

ربما تجيز لنا هذه الإشارات الموجزة عن تماثل المسعيين التحرريين لشعبي فلسطين وسوريا، أن نشير بإيجاز أيضاً إلى أن الدعوة إلى تكامل التجربتين النضاليتين غالباً ما تصطدم بمفارقات مؤلمة لدى كل من السوريين والفلسطينيين، وهي ذات صلة بتشظيات القوى الوطنية وغياب المشروع الجامع وتعدد الولاءات الإقليمية والدولية ودور النزعات الإيديولوجية في تغييب حالة الإجماع الوطني، كل هذه الأمور وسواها الكثير لا يمكن إنكار دورها الكابح لأي مسعى نضالي تحرري، ولكن ما هو ناصع للعيان أيضاً أن جميع هذه الشروخات التي لم تكن حالة مستحدثة لدى القوى الفلسطينية، إلّا أن تأثيرها أو انعكاساتها السلبية تتقلّص أو تزول إلى حدودها الدنيا حين تبدأ المواجهة الميدانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ لا يستطيع أحد إنكار الفجوة الواسعة بين حركة حماس مثلاً وبقية القوى الفلسطينية، ولكن معركة غزة تجعل الجميع يدرك أن الخطر الوجودي الذي يهدد الجميع هو قوات الاحتلال الصهيوني، وهذا ما يدعو جهود الجميع أن تتلاقى في المعركة بمواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية، في حين أن المشهد السوري – على الرغم من مأساويته – لا يبدو أنه قادر على إحداث أي تغيير في منهجية وسلوك قوى المعارضة الرسمية السورية، سواء العسكرية منها أو السياسية، فمنذ اشتداد وتيرة القصف الجوي على إدلب وريف حلب الغربي في السابع من الشهر الجاري، وعلى الرغم من تصاعد عدد الضحايا من المدنيين، فلم تشهد الجبهات التي تتموضع فيها جيوش كبيرة تابعة لسلطتي الأمر الواقع أي مبادرة ميدانية، باستثناء ردّات فعل خجولة تقع ضمن ما هو مسموح به من الحكومة التركية، أمّا على المستوى السياسي فيبدو أن الرئاسة الجديدة للائتلاف ما تزال في غمرة نشوتها بالنصر من جرّاء إبعاد خصومها وانتزاع الرئاسة بـ (الصرماية)، لذلك لا يبدو أن ما يجري في إدلب أو غزة، ولا كذلك ما يجري في السويداء من حراك شعبي عارم يعنيها، بقدر ما يهمها استكمال المشوار وإعادة إعمار ما تصدّع من علاقات، إذ بالتوازي مع الحرب القائمة على السوريين يقوم فريق الائتلاف بزيارة تل أبيض وبعض القرى والبلدات والاجتماع بالعشائر والمجالس ومواضع النفوذ الشعبي أملاً بحيازة ولاءات جديدة وسعياً إلى سماع وعود من الجماهير الوفية بمبايعةٍ إلى الأبد، بعيداً عما يجري في البلد.


المصدر: تلفزيون سوريا