رأي

عن بيان المجلس العسكري السوري ( 1 )

السبت, 3 يونيو - 2023

حسن النيفي


هل بمقدور السوريين استعادة زمام المبادرة من جديد والمساهمة في صياغة مصيرهم؟ وهل تتيح لهم التدخلات الدولية التي لم تترك من القضية السورية شيئاً إلّا وضعت يدها عليه، أي هامش أو مجال للمشاركة الفاعلة؟ وهل الشعب السوري الذي تناهبته أطياف الشقاء جميعها باتت لديه أي قدرة على أي مبادرة ثورية من شأنها أن تشي باستمرار النضال من أجل الحرية، ألم تتموضع على الجغرافيا السورية أربع سلطات أمر واقع وكلها تمارس على المواطن أشدّ أنواع التضييق والعسف وتمعن في إهانته وإذلاله، فكيف بها ستتيح له حيّز الانطلاقة من جديد؟ ولعل الأهم من ذلك كلّه هو أن المواطن السوري الذي لم يعد يملك سوى التعلّق بمقوّمات وجوده المعيشية في حدّها الأدنى، لم يعد – في الوقت ذاته - في مواجهة نظام متوحّش فحسب، بل هو يواجه عدة قوى سواء منها ما تمثل باحتلالات خارجية أو ميليشيات محلية أو معارضة رسمية لم تعد تختلف بمنظار معظم السوريين عمّا سواها من قوى التسلّط.

مثل هذه التساؤلات وسواها سرعان ما تتوارد على الأذهان في كل منعطف أو مفصل من المفاصل السياسية العاصفة التي تجتاح حياة السوريين، وتتعزز هذه التساؤلات أكثر حين تتزامن تلك المنعطفات مع مبادرات أو رؤى جديدة تطرحها بعض القوى السياسية ردّاً على ما تواجهه ثورة السوريين من موت أو اندثار، ولعل من أبرز تلك المبادرات أو الرؤى تلك التي تضمنها بيان المجلس العسكري السوري الصادر في السادس والعشرين من شهر أيار الماضي، إذ يشير القائمون على مشروع المجلس العسكري في الشطر الأول من بيانهم إلى المآلات الموجعة للمشهد السوري الراهن سواء من حيث الردّة العربية نحو إعادة العلاقة مع نظام الأسد، أو من حيث تسيّد العصا الإيرانية وقدرتها على إجبار خصوم الأمس بالتسليم لمنطق البلطجة الذي لم يعد هؤلاء الخصوم يرون بدّاً من التصالح معه، باعتبار أن سطوة طهران قد اخترقت مجمل الرهانات المعقودة على الرادع الأميركي، إذ يرى بيان المجلس العسكري أن وجود رأس النظام الإيراني في دمشق تزامناً مع انعقاد قمة جدّة ما هو إلّا دلالة واضحة ليس على انكسار سوري فحسب، بل علامة من علامات الخذلان العربي للقضية السورية.

وفي محاولة لمواجهة هذا المشهد من المأساة السورية يقدّم القائمون على بيان المجلس العسكري وجهة نظر أو مبادرة، وذلك انسجاماً مع ما انطوى عليه عنوان البيان (نحو إستراتيجية نضالية جديدة) وتتضمن تلك المبادرة مسألتين: تتمثل الأولى بضرورة الخروج من الأطر الناظمة للصراع بين المعارضة والسلطة، واعتبار أن (نضال السوريين للتحرر من نظام الإبادة والاستبداد لا يمكن اختزاله بالصراع الراهن بين معارضة لم يبق لها إلّا أدوارها الوظيفية، وبين نظام الأسد، بل يمكن التأكيد على أن ثورة الشعب السوري أصبحت حركة تحرر وطني، ومن حق جميع السوريين العمل على إسقاط النظام الغاصب وبناء دولة القانون والعدالة والديمقراطية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة والمشروعة). ولعل اللافت في الفقرة السابقة المقتبسة من البيان أمران، الأول هو طبيعة (حركة التحرر الوطني) هل تتجسد في جسم سياسي جديد يجبُّ ما قبله من الكيانات التي تصدّرت لتمثيل السوريين؟ أم تتجسّد في قيادة عسكرية فحسب؟ أم كيان قيادي مشترك عسكري ومدني؟ وهل ثمة من نواة لحركة التحرر هذه أم هي في طور التشكّل، وما هو مصدر شرعيتها وآليات تشكيلها؟ أما الأمر الثاني فهو مشروعية نضال السوريين من أجل التغيير من خلال (جميع الوسائل الممكنة والمشروعة) إذ هل يمكن أن تكون المقاومة المسلحة هي إحدى هذه الممكنات؟ أم المقصود بتلك العبارة هو الحراك المدني الذي يمكن أن يصل إلى حالات العصيان المدني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمتلك المجلس العسكري الحامل الشعبي الذي سينهض بهذه المهمة؟

أما المسألة الثانية التي تتضمنها رؤية المجلس فهي التمسك بالقرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، باعتبارها ضامنة – من الناحية الشرعية – لحق السوريين في الانتقال السياسي، إلّا أن غياب الآليات التنفيذية للقرارات الأممية، باعتبارها غير ملزمة التنفيذ، وكذلك نظراً لقدرة نظام الأسد وحلفائه على الالتفاف الدائم على تلك القرارات نتيجة لغياب الضاغط الدولي، فإن اعتماد السوريين فقط على الإرادات الأممية لن يؤدي إلى نتيجة، بدليل اختزال تلك القرارات بلجنة دستورية مجهولة المصير، وحيال ذلك لا بدّ من العمل على إيجاد مسارات أخرى للمواجهة، فما هي تلك المسارات؟ هل هي عسكرية أم سياسية، أم مواجهات حقوقية كالتي يقوم بها بعض الناشطين الحقوقيين السوريين من خلال تعقب أزلام النظام ممن ارتكبوا جرائم بحق السوريين ومقاضاتهم في دول مختلفة من العالم؟

ربما من حق جميع القوى الوطنية السورية أن تعمل باستمرار على إنتاج رؤى وتصورات من شانها أن تقدّم مقاربات جديدة للقضية السورية، بل لعله من الواجب على الجميع التفكير باستمرار وبطرائق متجددة وعدم الركون للوصفات الجاهزة وحالات الندب وسرد المظلوميات والتذمر من السياسات الدولية الخاذلة وغدر الأصدقاء وتنصّل أبناء الجلدة، ولعل بيان الجلس العسكري كان دقيقاً حين أشار في تضاعيفه إلى الطبيعة الإبداعية للثورات وقدرتها على تجديد وسائلها النضالية باستمرار، وإن كان من الصحيح أيضاً أن قدرة أي ثورة على تجديد ذاتها وحيويتها باستمرار مشروط بتوافر حواملها الموضوعية المستندة إلى معطيات فعلية وليست كامنة في حيّز الرغبات فحسب.

ما جاء في بيان المجلس العسكري جدير بالتوقف عنده وقراءته قراءة دقيقة، خاصة وأن مجمل ما جاء به من أفكار، كان متداولاً هنا وهناك منذ سنوات، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تأتي هذه الأفكار ضمن رؤية تصدر بصفة رسمية عن مكوّن سوري مناهض لنظام الأسد، أضف إلى ذلك أن صدور البيان جاء متزامناً مع حراك سياسي عربي وإقليمي لم تكن القضية السورية بعيدة عنه، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن إمكانية وجود أي صلة مباشرة لهذا البيان بجهة دولية محددة أم أنه بعيد عن تلك السياقات، وبعيداً عن الذهاب في إطلاق الأحكام المسبقة أو مصادرة الآراء، يمكن القول: لقد كان سياق البيان قد اتسم بطابع التعميم وعدم الوقوف عند تفاصيل الأفكار وجزئياتها، ما جعله يحمل طابعاً نظرياً على الأغلب، ولعل هذا ما يستدعي من أصحاب المشروع المزيد من التوضيح وجلاء ما كان غامضاً أو مثار تساؤل من جانب السوريين، ولعلهم يفعلون.


المصدر: تلفزيون سوريا