هل نظام الأسد استبدادي بالفعل؟

الطريق- حسن النيفي

ما هو غنيٌّ عن القول، أنه لا يمكن اختزال ثورات الربيع العربي بمجرّد كونها ردّات فعل على أزمة أو أزمات سياسية مستعصية في هذا البلد أو ذاك، بقدر ما هي استحقاق تاريخي يحمل في تضاعيفه تحوّلات اجتماعية جذرية هي نتيجة تراكمية للتطور الحاصل منذ مرحلة ما بعد استقلال البلدان العربية وحتى اللحظة الراهنة، ولعل القاسم المشترك في البلدان التي انطلقت منها الثورات هو (الاستبداد السلطوي). ولئن كانت ثمة عوامل مشتركة يمكن أن تتقاطع في مفهوم (المستبد) وفق التصنيف النظري للكواكبي، فإنّ التجليات الفعلية لهذا المفهوم تُظهر على الدوام بأن ثمة فروقات كبيرة في هذا المفهوم من شأنها أن تجعل صفة (المستبد) قابلة للتحول والتغيير، وبالعودة إلى بعض الأمثلة نجد أن حالة الاستبداد في تونس ليست كما هي في مصر مثلاً، والحالة ذاتها في مصر ليست كما هي في سورية أو اليمن ...إلخ. وعلى أية حال، ومهما تفاوتت تلك الفروقات، فإنه يمكن التأكيد على أن مقولة (الثورة حدث تاريخي) ربما اختزلت الكثير مما تريد أن تذهب إليه هذه السطور الوجيزة، وذلك من جهة أن (الفعل الثوري) ليس بالمطلق تجربة علمية تجري في أنبوب اختبار، لتعطي النتائج ذاتها في حال تكرار التجربة.

لقد قدّمت المعارضة السورية قضية الشعب السوري إلى المحافل الدولية على أنها انتفاضة شعب يطالب بحريته وحقوقه المسلوبة أمام حاكم مستبد صادر حقوق السوريين، كما دأبت تلك المعارضة – ممثلةً بالكيانات الرسمية للثورة – على المطالبة بالتغيير والانتقال إلى دولة القانون والعدالة والديمقراطية، وبناءً على هذا التشخيص للقضية السورية جاءت القرارات الأممية لتؤكّد على أحقية السوريين بالتخلص من الاستبداد والانتقال إلى دولة القانون وتداول السلطة، وهذا ما حملته مضامين تلك القرارات ولعل أبرزها (جنيف1 لشهر حزيران  2012 – 2118  لعام 2013 – 2254 لعام 2015 ). ولعل ما هو ثابت في القرارات المذكورة جميعها هو أنها تؤكّد على أن جوهر العملية السياسية إنما يكمن في إنشاء هيئة حكم انتقالي مؤلفة من المعارضة والنظام، ثم تليها عملية كتابة دستور للبلاد، ومن ثم تجري انتخابات عامة بإشراف دولي، أي أن العملية السياسية برمتها ينبغي أن تجري عبر عملية التفاوض بين حاكم قِيل عنه (مستبد)، وأصحاب حقوق يريدون انتزاعها من ذلك الحاكم، وكان يمكن لهذه العملية السياسية المنبثقة عن التصور الدولي للمشكلة أن تفضي إلى حل نهائي في سورية، ولكن ذلك لم يحصل، ولسنا بحاجة إلى مزيد من الكلام على عدم التفاعل الجدّي مع أي عملية سياسية من جانب نظام الأسد، ولكن ما ينبغي الوقوف عنده هو ممارسات النظام الأسدي قبل صدور القرارات الأممية وبعدها، إذ إنه لم يعد يكتفي بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وكذلك تجاوز المجازر التي مارستها ميليشياته الطائفية في بانياس وحمص وحي التضامن والقابون وفي بقية المدن والبلدات السورية، ودخل في أطوار جديدة بدأت بالبراميل المتفجرة منذ منتصف العام 2012 ، وسرعان ما وصلت إلى حرب إبادة بحق السوريين بالسلاح الكيمياوي الذي لم يستخدمه نظام الأسد مرة واحدة فقط، إذ بعد مجزرة الغوطة الشرقية في آب 2013 ، عاود النظام هجومه الكيمياوي عشرات المرات، لعل أكثرها بشاعة مجزرة خان شيخون في الرابع من نيسان عام 2017 ، وذلك تزامناً مع عمليات التهجير القسري والاقتلاع الجماعي للسكان من مدنهم وبلداتهم ورميهم في العراء أو إجبارهم على النزوح إلى أماكن أخرى، وكلها جرائم لا تقل  بشاعة عن استخدام الكيمياوي، الأمر الذي يدعو الجميع لإعادة التفكير بماهية نظام الأسد من جهة، وبطبيعة أساليب أو استراتيجيات المواجهة التي تنتهجها المعارضة السورية من جهة أخرى، ذلك أن سيرورة الوقائع تثبت أن الوصفة الدولية المنبثقة عن تشخيص المعارضة لطبيعة المشكلة السورية لم تعد تنطبق على جذر العلّة، فنظام الأسد تجاوز حدود الاستبداد المتمثل باحتكار السلطة، وانتقل إلى مرحلة (الإبادة)، وكان حرياً بالمعارضات السورية، ومنذ العام 2013 الإدراك بأن صفة (الاستبداد) هي إحدى صفات النظام، ولعلها الأقل قذارة قياساً إلى صفة ( الإبادة)، وفقاً لما يذهب إليه ياسين الحاج صالح في كتابه (الفظيع). وبناء عليه، يمكن التساؤل عن جدوى اكتفاء المعارضات السورية بمطالبة المجتمع الدولي بتطبيق القرارات الدولية، وعلى وجه التحديد القرار 2254 ، الذي يثبت فحواه بأنه وصفة خاطئة جاءت نتيجة تشخيص خاطئ أيضاً، وهل يندرج الاستنتاج السابق في الدعوة إلى تخلّي السوريين عن القرارات الأممية ومغادرة العملية السياسية؟ الجواب: لا بالمطلق، ولكنها  - بكل تأكيد -  دعوة إلى البحث عن إستراتيجيات جديدة للمواجهة تنبثق من وعي سوري متجدد قادر على مواكبة التطورات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك هي دعوة للعمل من خلال استلهام فكرة (الخلق الثوري) التي تعني أن الثورة فعل إبداعي قادر على إيجاد سبل جديدة للمقاومة على الدوام.