أحمد عبد الرحمن - الطريق
غالباً ما يكون الفقر المدقع المنتشر بكثرة في المخيمات المشيدة بمحافظة إدلب والممتدة إلى الحدود السورية التركية، أصعب من قصف الطائرات والمدفعية وراجمات الصواريخ الذي عاشته مئات الألاف من العوائل قبل نزوحهم من بيوتهم ومدنهم إلى أماكن أكثر أمناً أو أقل خطورة، الأمر الذي يدفع الكثير منهم للنزوح مرات عديدة لكن ليس بسبب القصف، إنما للبحث عن كسرة الخبز وبعض سبل العيش.
يقول مصطفى الشحود (36 عاماً) نازح من قرى معرة النعمان جنوبي إدلب، ويقيم في مخيم الكويتي شمالي المدينة لـ "الطريق"، إن الظروف المعيشية السيئة التي سببتها ندرة الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية للنازحين قسرياً، إلى جانب قلة فرص العمل نتيجة تواجد المخيم الذي يقيم فيه في منطقة نائية وجبلية بالقرب من بلدة حربنوش، أجبرته على مغادرة منزله المبني من الطوب إلى مخيمات منطقة سرمدا على الرغم من أنها مصنوعة من النايلون والبلاستيك "لكن لربما نستفيد هناك من الخدمات التي يتم تقديمها للأهالي بشكل مجاني في ظل هذه الأزمة المعيشية الخانقة التي تزداد سوءً يوماً بعد يوم" يقول الرجل.
وخلال السنة الأخيرة عمدت المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية العاملة في الشمال السوري، على بناء منازل من الطوب وشقق سكنية، بهدف نقل القاطنيين في الخيام إلى تلك الأبنية للتخفيف عنهم من لهيب الصيف وبرد الشتاء، إلا أن عدد كبير من تلك العائلات تمسك بخيامه رافضاً فكرة الإنتقال إلى تلك الأبنية البيتونية، بسبب أن معظم تلك المجمعات السكنية يتم بناءها بمساحة صغيرة جداً بالكاد تكفي للأسر الصغيرة في أماكن جبلية بعيدة عن مراكز المدن والنقاط الطبية، بالإضافة إلى أن أغلب وسائل الدعم تتوقف عن النازحين فور تسليمهم المساكن.
لا يختلف حال محمد كيلاني (30 عاماً) النازح من ريف حماة إلى مخيمات كللي عن حال الشحود، فقد اضطر الكيلاني لمغادرة مسكنه الصغير الذي يعتبره سجناً يفتقر إلى كافة مقومات الحياة، تحت أشعة الشمس اللاهبة مصطحباً معه زوجته وأطفاله الاثنين الصغار متوجهين إلى مخيم القلعة على الشريط الحدودي مع تركيا للاستفادة من الخدمات المتواجدة فيه، وكونه قريب من المرافق العامة والخاصة.
يقول الكيلاني: "منذ ثلاث سنوات ونحن نقيم في قمم الجبال محرومين من أبسط المتطلبات اليومية، بسبب بعدنا عن مراكز المدن والأسواق، حيث نحتاج يومياً قرابة الـ30 ليرة تركية ثمن بنزين في حال أردنا الوصول إلى أقرب سوق لجمع حاجيات المنزل، ناهيك عن الخدمات المعدومة في المخيم منذ سنتين كالخبز والمياه والكهرباء والسلل الإغاثية الشهرية".
ويعاني قرابة المليون شخص من النازحين المقيمين ضمن المخيمات المنظمة والتجمعات العشوائية التي تفتقر في هذه الأونة إلى أدنى المقومات وسبل الوقاية، من نقص حاد في المياه لا سيما بهذه الأيام التي يصعب الاستغناء عنها وتتطلب زيادة كمياتها إلى الضعب نتيجة الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، وذلك بسبب تراجع الدعم عن عدة منظمات محلية كانت تقوم بتقديم الخدمات الطارئة واللازمة لقاطني المخيمات، ما يدفع الكثير من العائلات المعدومة مادياً للنزوح من مخيم إلى أخر بحثاً عن ما ذكر سابقاً.
مدير مخيم قرية الكويتي علي الحسن قال في تصريح لـ "الطريق"، إن أكثر من 25 عائلة غادرت المخيم في الأيام الأخيرة جراء انعدام المشاريع التنموية والإغاثية في المنطقة، موضحاً أن المخيم منذ تأسيسه قبل ثلاثة سنوات لم يتم تقديم مشاريع شهرية للنازحين المقيمين فيه على الرغم من الاكتظاظ السكاني، باستثناء سلال غذائية يتم توزيعها على العائلات كل ستة أشهر.
وأوضح الحسن في حديثه، أن بُعد موقع القرية السكنيه عن مراكز المدن من الأسباب الهامة أيضاً التي دفعت قسم كبير من سكان المخيم بوضع خطط للانتقال منه، حتى لو كان ذلك سيعيدهم إلى الخيام، ولفت إلى أن الفئات المتواجدة في المخيم البيتوني من الطبقة الفقيرة جداً.
وأصدرت منظمة "منسقو استحابة سوريا" في 17 تموز / يوليو الجاري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 590 مخيماً للنازحين في مناطق شمال غربي سوريا يعاني من انعدام المياه اللازمة، إضافة إلى انخفاض المخصصات في باقي المخيمات نتيجة تخفيض الدعم وارتفاع معدل استهلاكها.
كما طالب البيان جميع المنظمات العاملة في المنطقة بتحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية تجاه النازحين الموزعين على 1430 مخيماً يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون مدني، من خلال زيادة الفعاليات الإنسانية وتأمين المستلزمات الأساسية لهم، وأبرزها زيادة كميات المياه والعمل على تبريد المخيمات.