الطريق- د.باسل معراوي
لم تُخفي ـ إيران ـ رغبتها بانسحاب الولايات المتحدة من سورية والعراق أولاً والشرق الأوسط كاملاً، وهي تعمل على ذلك بماكينتها وأبواقها الإعلامية، وتعمل على خلق المتاعب لها على الأرض عبر استهداف قواتها مباشرة وبشكل أقرب للرسائل الخشنة، متجنبة إيقاع خسائر بالأرواح الأمريكية...بل إنَّ تحرشاتها بدول المنطقة والنقل البحري المدني زاد بالمرحلة الأخيرة ..ولم يكن أمام الولايات المتحدة إلا تقليص التواجد والانتشار الأرضي للقوات؛ بسحبها قاعدة العديد بقطر إلى الأردن لتقليل بنك الأهداف الأمريكية التي تهدد إيران باستهدافها. أيضاً تم وضع خطة زمنية أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن، تقتضي سحباً كاملاً للقوات الأمريكية من العراق بنهاية العام.
لاشك أنَّ إيران تريد استثمار حالة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولا شك أنها أكثر السعداء بالتخبط الأمريكي بعملية الانسحاب وإجلاء الرعايا الأمريكان والمدنيين الأفغان المتعاونين معهم..والتطبيل لهزيمة أمريكية تحدث الآن أمام أعين العالم وانهيار المنظومة المدنية والعسكرية الأفغانية التي بنتها أمريكا خلال 20 عاماً بهذا الشكل الدراماتيكي أمام مسلحي حركة طالبان.
وإزاء الرفض الإيراني المطلق لأي بحث بملف تمددها الإقليمي وتطوير برنامجها الصاروخي وطيرانها المسير...وربط ذلك بالتوصل لاتفاق نووي توقفت جولته السادسة عند عدد من النقاط الخلافية، أبرزها الملف الإقليمي والصاروخي..كان مفروضاً على إيران بعهدها الجديد المحافظ إدارة ظهرها لمفاوضات فيينا ومحاولة إحراج الولايات المتحدة بأنها ليست وصية على دول المنطقة، فها هي إيران تداعت مع دول الجوار السبع: (العراق، السعودية، تركيا، قطر، الإمارات، الكويت، ومصر، والأردن) وفرنسا كقوة دولية غربية عضو في الناتو والاتحاد الأوربي. وهاهم يتشاورون ويبحثون في الأمن الإقليمي للمنطقة وأسباب اللقاء وشروطه متوفرة فلا داعي للوصاية الأمريكية على دول المنطقة والتحدث باسمهم جميعاً مع إيران.
لاشك أنَّ إيران تحاول كسر عزلتها الدبلوماسية الإقليمية، فهي تريد عقد اتفاقات أمنية ثنائية أو جماعية مع دول المنطقة بمعزل عن أي حضور أمريكي .ويقول بعض المراقبين: إن ايران كانت مستعدة لإرسال رئيسها الجديد كفرصة أولى لظهوره الإقليمي لو أنَّ ولي العهد السعودي كان قد وافق على الحضور..وهنا لابدَّ من الإشارة عن مستويات المشاركة..إذ حضر زعماء قطر والأردن ومصر..نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ..ووزراء الخارجية لبقية المشاركين مع امتناع البحرين وعمان عن المشاركة من دول مجلس التعاون الخليجي
ولاشك أنَّ لقاءات القمة الجانبية كانت على مستوى كبير من الأهمية ..أهمها لقاء الأمير القطري والرئيس المصري للمرة الأولى..ولقاء حاكم دبي مع الملك الأردني...ولقاء حاكم دبي والأمير القطري وتبادل عبارات التسامح والمودة العربية في تعبير عن طي صفحة الخلافات السابقة.
لاشك أن جولات الشيخ طحنون بن زايد التي سبقت القمة كانت من الأهمية بمكان...حيث كسر مسؤول ملف الأمن الوطني الإماراتي كلَّ جبال الجليد وكل التوقعات بزيارته لأنقرة ولقائه الرئيس التركي، أعقبها بزيارة للدوحة ولقاء الأمير تميم...وكان بين الزيارتين زيارة لمصر والأردن...
ويرجح أغلب المراقبين أنَّ جولات الشيخ طحنون بن زايد كانت أبرز نتائجها وضع فيتو عربي/ تركي على حضور رئيس النظام السوري إلى القمة وإبطال الدعوة التي أرسلها له مصطفى الكاظمي عبر صالح الفياض (قائد الحشد الشعبي العراقي) خلال زيارة خاصة لدمشق..
حيث تم الاتفاق على عدم منح إيران أي إنجاز إقليمي بتعويم بشار الأسد وإدماجه بالمنطقة وكسر العزلة المفروضة عليه.
ندرك ما ترمي إليه إيران من عقد المؤتمر...ولكن "ماذا يريد البقية من عقد مؤتمر هام في عاصمة عربية تهيمن بل تفرض إيران وصايتها عليها ؟"
يريد العرب والترك والفرنسيون محاولة سحب بغداد من تحت الهيمنة الإيرانية، وذلك بإعطاء موافقة إقليمية دولية على أن يكون مصطفى الكاظمي الرئيس المقبل للوزارة العراقية خاصة بعد تراجع مقتدى الصدر عن مقاطعته للانتخابات حيث سيكون الكاظمي مرشح التيار الصدري...
إضافة لتعويم الكاظمي عربياً ودولياً عبر محور الشام الجديد أو علاقاته الإيجابية مع أقطاب الخليج العربي الثلاثة (أبو ظبي والرياض والدوحة)...والدعم الأمريكي الأوربي له باعتباره شريكاً مقبولاً للإقليم والعالم...وطبعاً لن تعارض إيران تولي الكاظمي للمرحلة المقبلة وتفضيل المالكي عليه إلا إذا حصل أمر غير متوقع.
من عوامل فشل المؤتمر أيضاً؛ عدم حدوث لقاء بين وزيري خارجية المملكة وإيران، وعدم تمكن الكاظمي من جمعهما معاً...علما أنَّ الأمير فيصل بن فرحان هو المتحدث الوحيد بالمؤتمر الذي أشار صراحة إلى أنَّ من أهم عوامل عدم الاستقرار بالعراق هو وجود الميليشيات المسلحة التي تتلقى توجيهاتها من الخارج.
وبرأيي المتواضع: لن تستطيع إيران تحقيق أي إنجاز بهذا المجال تحت التهديد والوعيد وإجبار الدول العربية خاصة على القبول بوصايتها، وتوقيع اتفاقات أمنية معها، والتخلي عن المظلة الأمنية الأمريكية، ولن تخضع دول المنطقة لابتزاز الميليشيات أو قرصنة السفن أو استهدافها أو الاعتداء على منشآت حيوية اقتصادية. وللحديث بقية...