د. باسل معرواي
إن لم تكونوا مدعوّين للجلوس حول مائدة الطعام فأنتم بالتأكيد من الأصناف التي سيتمّ تناولها…..
هذا هو حال السوريين منذ تدويل قضيتهم ..
يَتمّ تسييس قضايا وجودهم ولجوئهم وحتى المساعدات التي تُبقيهم على قيد الحياة….
هكذا أراد العالم الذي يدعي التحضر ويتغنى بالقيم الإنسانية أن يكون السوريين ساحة للبازار والمساومة بينهم خارح بلادهم ووقوداً لصراعات الآخرين داخل بلدهم والذي تَجثم كل قوى العالم على صدره باحثةً عن مصالحها وأمنها وتحقيق مشاريعها دون اكتراث. والسؤال، هل يستطيع هذا الجسد بهذه المساحة الجغرافية والمنهك من التنفس وأخذ قليلاً من الهواء ليبقى على قيد الحياة.
تجتمع أعلى سلطة في هذا الكون الذي فاق عدد سكانه المليارات الثمانية …يُسمّونه مجلساً للأمن الدولي ..يجتمعون من أجل تمديد آلية إدخال قليلاً من الطعام التي تحفظ لهم البقاء أحياء …وتبدأ سلسلة من المناكفات والبازارات بين الدول النووية الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ..هذا يريد إحراج ذلك بملف يقول إنه إنساني لِيعرّيه أمام العالم إن لم يأخذ موافقته …والطرف الثاني الذي أدمن على قتل السوريين وأدمن استعمال حقه بالفيتو أكثر من 15 مرة ..لا يرى ضيراً في رفع يده مرةً أخرى ليسجل التاريخ أنّ عدد المرات التي تم فيها استعمال الفيتو قد زادت واحدة…
ما هذا الانحدار الذي لا قاع له قد أصاب الدول العظمى والمجتمع الدولي للتفاوض على إطعام أُناس والتصارع في أرضهم وبين ظهرانيهم…
ضرب الدب الروسي عرض الحائط بكل القيم الإنسانية (كعادته دائماً) عندما رفع مندوبه يده للأعلى مانعاً دخول الغذاء والدواء للسوريين وهو الذي اعتاد على ضربهم بأشد الاسلحة الفتاكة التي تُنتجها صناعاته الحربية…فيما يقف راعي البقر الأميركي والذي يَعتبر العالم مملكته أو مزرعته مُتسولاً موافقة خطية لإدخال تلك الأساسيات الضرورية.. فيما هو عندما تكون لديه مصلحة مباشرة لا يرى الحدود الدولية والسيادة الوطنية ويدوس كل القوانين الدولية التي يقول إنه يحميها..
وبين صراع دب روسي مفترس وراعي بقر أميركي متوحش وأرعن ضاع على السوريين طعامهم ودواءهم والذي لم يكونوا يحتاجون به أحداً قبل أن تُصبح ديارهم ساحة صراع بين الدب والراعي وأنصارهما…
وبنفس اليوم الحادي عشر من تموز كانت قمة التحدي تُعقد في جوار الاتحاد الروسي الجريح….حيث كان أعضاء الناتو يتفاخرون بقوتهم وبازدياد عَددهم وعُددهم ويتفاخرون بضم دولتان يشهد لهما التاريخ بحيادهما في أعتى حربين شهدهما القرن الماضي ولكنهما تخليا عن ذلك الحياد في أول حرب جرت بجوارهما في القرن الجديد خوفاً من مصير جورجي أو أوكراني ماثل أمامهما..
وكانت تلك القمة تجسبداً لفشل القيصر الروسي الأحمق في إحداث صدع جيوسياسي عميق بحلف الناتو عبر خطف تركيا الدولة المحورية فيه إلى جانبه أو تحيبدها في أضعف الأحوال….
كشف الأتراك عن غربيتهم وأماطوا اللثام عن تماهيهم من الناتو… وزار زيلنسكي أنقرة حاملاً معه قادة آزوف الخمسة في تحدٍ واضح ومُستفزّ من السلطان للقيصر..حيث قال السلطان لزبلنسكي في حضرته إنه يُؤيد انضمام بلاده إلى حلف الناتو ورافضاً لكل قرارات القضم والضم التي أجراها صديقه اللدود القيصر الروسي في بلاده…
وبالتأكيد سينعكس تحدي السلطان للقيصر في الساحة الأوكرانية صيفاً لاهباً في سورية الجريحة حيث بدأت علامات تصدع تفاهمها المرحلي لمنع التصادم واقتسام الغنائم ..بدا وكأنها أصبحت من الماضي وأنّ ما كان معمولاً به منذ اختراع مسار أستانة لم يعد صالحاً لما بعد كسر أنياب الدب المفترس وقلع أظافره في أوكرانيا …
لم يعد الدب مفترساً بل قد يتحول قريباً إلى دب السيرك الذي يُضحك من حركاته الأطفال
وبالطبع سينعكس التحدي الأميركي الروسي الجاري على مستوى العالم والصراع الصفري الدائر بينهما إلى صراع لاهب سيدور بالوكالة بدايةً وقد يتطور للأصالة فيما بعد …ويشكو كلا الفريفان الروسي والأميركي من انهيار قواعد الاشتباك والتفاهمات السابقة بينهما…فيما يُهدّد راعي البقر الأميركي مضيق هرمز البري الإيراني المارّ من البو كمال السورية والرابط لمحور الميليشيات الإيرانية بالإغلاق وبالتالي فقدان الروس للقوة الأرضية البرية والتي مازالت تُمكّن لهم أقدامهم في سورية …
وفي الوقت ذاته يُهدّد الدب الروسي مناطق النفوذ الأميركية في الجزيرة السورية بحرب شعواء من قبل ميليشيات إيرانية وأسدية …وفشل الروس تماماً بِجرّ الأتراك لهذا المُعترك …
صيف ساخن في ظل السيوف المشرعة من كل الأطراف على بعضها في سورية بعيداً عن أراضيهم في ظل صراع مُحتدم يكون وقوده لحوم السوريين وأحلامهم وربما وطنهم الذي لم يعرفوا كيف يحافظون عليه….ومن لا يعرف أن يحافظ على وطنه سيكون لاجئاً وغريباً في الاوطان الأخرى.
المصدر: أمل سوريا