رأي

من مواطن سوري إلى رامي الشاعر

الثلاثاء, 3 أغسطس - 2021
وجدت روسيا نفسها بمستنقع كبير
وجدت روسيا نفسها بمستنقع كبير

الطريق- د.باسل معراوي


 تدخّل الرُّوس في سوريا إلى جانب النظام، منذ اليوم الأول لنشوب الثورة، لا لأنَّ علاقات قوية وتاريخية تربط روسيا وسلفها الاتحاد السوفييتي بالنظام فحسب؛ بل لأنَّ الاستراتيجية الروسية عالمياً مبنية على معاداة ومحاربة أي تحول ديمقراطي، إذ يعتبرون ذلك منتجاً غربياً غايته التوسع والامتداد نحو الحدود الروسية، باعتبار أنَّ أي نظام ديمقراطي سيكون بالضرورة ضمن المجموعة الديمقراطية الغربية المعادية له. وقد جسَّد الروس هذه السياسة بالدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي والتي تعتبر حديقته الخلفية؛ في روسيا البيضاء مثلاً، وحاول في أوكرانيا وفشل، إلى أن أصبحت الجمهوريات السوفييتية السابقة أعضاء في حلف الناتو (بولونيا، المجر، جمهوريات البلطيق...الخ) هذا هو البعد الاستراتيجي للتدخل الروسي، إضافة إلى أسباب أخرى لا مجال للتفصيل فيها الآن.

 كان واضحاً في السنوات الأخيرة (وبعد أن زال خطر السقوط العسكري للنظام) أنَّ هناك خلافات بينهما اتخذت للتعبير عنها الوسائل غير الرسمية؛ كمقالات للسيد رامي الشاعر المستشار بالخارجية الروسية، أو تسريب فيديوهات مذلة لرئيس النظام، يقابل ذلك على الجبهة الأخرى مقالات لبعض أبواق النظام كخالد العبود، والإمعان في عرقلة أي مشروع روسي اقتصادي وضياعه بغياهب الروتين والبيروقراطية والإدراج.

 بعد أقل من شهرين، يكمل التدخل الروسي العسكري في سوريا عامه السادس؛ حيث بدأ في 30 أيلول 2015.وكلنا يعلم أنَّ الرئيس الروسي كان مقتنعاً بنصرٍ سريع، ووضع سقفاً زمنياً مدته ثلاثة أشهر لإنجاز المهمة، في منع سقوط النظام.

 ممَّا أثار حفيظة رامي الشاعر، للتعبير عن موقف شبه رسمي للخارجية الروسية على ما يجري في سوريا، هو إشارات عدَّة بدرت من النظام، توحي أنَّ شهر العسل شارف على الانتهاء، وأنَّ النظام وحلفاءَه لم يعودوا بحاجة للجهد العسكري الجوي الروسي بعد توقف المعارك الكبرى، وأنَّهم بحاجة لراعٍ اقتصادي يساهم في انتشالهم من الكارثة الاقتصادية، المرشحة للانفجار إذا لم يتم تداركها...فكان الاحتفاء الكبير بزيارة وزير الخارجية الصيني وتوقيع اتفاقيات لمشاريع كبرى وضخ استثمارات، وألمح خالد العبود أنَّ هذا الشريك الصيني العملاق يملك أيضاً حق الفيتو بمجلس الأمن..غامزاً من قناة روسيا.

 إزالة الشعارات والصور التي تمجِّد الصداقة السورية الروسية، من الشوارع والساحات العامة، وصلت أيضاً لروسيا، وبدأ التطبيل للصداقة السورية الصينية.

 أتحفنا الأستاذ الشاعر بمقولة إنَّ النظام لا يسيطر على الشمالين الغربي والشرقي، ولا الجنوب السوري ..حتى مدن الساحل السوري وبعض أحياء دمشق لا يملك السيطرة عليها، وهو بالكاد يسيطر على المقرات الأمنية والثكنات العسكرية، مع وجود حالة سخط وتذمر بأوساط الضباط والجنود.

 ونحن نقول له: لماذا قتلت الطائرات الروسية عشرات الآلاف، وشردت الملايين، ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها، ولم ينجُ مشفى أو مسجد أو سوق شعبي أو مركز دفاع مدني من عدوانها؟.. ولماذا ساهمت أو تسترت أو أنكرت استخدام النظام للأسلحة الكيماوية بعد صدور القرار 2118..؟ ومازالت تنكر!.. ولماذا جربت أكثر من 300 سلاح جديد واختبرته بأجساد السوريين العزَّل؟ 

كل ذلك من أجل أن يخرج علينا الشاعر، ويقول إنَّ الأسد لا يسيطر إلا على المراكز الأمنية والثكنات العسكرية!

 هل استخدام الفيتو لـ 16 مرة بمجلس الأمن، وإجهاض أي جهد دولي ولو إنساني لحلحلة المأساة السورية، كانت نتيجته أن الأسد لا يسيطر إلا على المراكز الأمنية والثكنات العسكرية؟

هل وصل، الأستاذ الشاعر (ومن يمثل)، إلى أنَّ الحل الضروري والوحيد لوقف الانهيار السوري على مختلف الصعد، هو تطبيق القرار الدولي 2254 وضمان عملية انتقال سياسي برعاية دولية؟ 

نحن نقول له: من تهرَّب من تطبيق القرار وحاول فرض أمر واقع على الأرض بتغيير المعادلات العسكرية، واللجوء إلى مسارات موازية (أستانة- سوتشي) لوأد مسار جنيف الأممي، وتشكيل لجنة دستورية منذ ثلاث سنوات عقدت 5 جلسات، كانت نتيجتها "صفر مكعب" (كما وصفها قدري جميل مؤخراً)..ومن حاول الترويج لحكومة الوحدة الوطنية والقول إنها هيئة الحكم الانتقالي المشار إليها بالقرار الدولي، وإنَّ تلك المرحلة لا تتضمن شرطاً ضرورياً هو عدم وجود أو مشاركة الأسد!

 أمَّا بالنسبة لدرعا، فقد تعهد السيد الشاعر أنَّ روسيا لن تسمح بالهجوم عليها، ونسي أنَّ الروس الذين وقعوا وضمنوا اتفاق 2018...لم يطبق منه شيء، بل اغتال النظام أو اعتقل من يريد من عناصر المصالحات والتسويات على مرأى ومسمع منهم (إن لم نقل بموافقتهم)...وأنَّ قواعد حزب الله وباقي الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الايراني امتدت على طول جغرافية المنطقة الجنوبية، بمئات القواعد والنقط العسكرية، إضافة لعمليات التغيير الديمغرافي الجارية الآن.

 نقول لرامي الشاعر: مَن يزرع الرياح فلن يحصد إلا العواصف. وجدت روسيا نفسها بمستنقع كبير، ومطلوب منها إنعاش نظام متهالك غير آبه لها...لن يكون اليوم الذي تعلن فيه روسيا " أفغنة سوريا" وكما انسحبت أمريكا من أفغانستان، ستجد نفسها مضطرة للانسحاب. وليس بعيداً أن يكون تاريخ 30 أيلول 2021 موعداً لذلك، مع خلط الأوراق والقول إنَّ النظام لم يقبل بتنفيذ القرار الدولي، وهي مضطرة للانسحاب وترك الأمر للمجتمع الدولي، بعد أن ألمح إلى استحالة حدوث حرب أهلية بين السوريين لإدراكهم أنَّ هذا ليس هو الحل.