رأي

هل ستغيِّر الطائرات المسيَّرة من بنية الجيوش العسكرية وتتحكم بنتائج المعارك المقبلة؟  

الأحد, 25 يوليو - 2021

الطريق_د.باسل معراوي

 

الطائرة المسيَّرة، أو الطائرة بدون طيار، أو الدرون، أو الزنانة.. هي طائرة تُوجَّه عن بعد أو تُبَرمَج مسبقاً لطريق مخطط لها أن تسلكه. وهي أنواع؛ منها ما يُستخدم لأهداف مدنية، ومنها ما يُستخدم في المجال العسكري. 

ما سنسلط الضوء عليه هو الدرونات ذات الاستخدام العسكري:

ظهرت أول طائرة  بدون طيار في انكلترا عام 1917 .

كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا من أوائل الدول استخداماً لها خلال الحرب العالمية الأولى...ثمَّ أدخلها الاتحاد السوفييتي في ثلاثينيات القرن الماضي إلى ترسانته العسكرية.

استخدمَت الولاياتُ المتحدة هذا النوعَ من الطائرات في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية (1950ــ 1953) كصواريخ موجهة، وللتصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، وكانت تستعمل مرَّة واحدة؛ لذلك تمَّ إنتاج 15000 طائرة منها.

دورها الاستطلاعي (الاستخباراتي) برز بعد حرب فيتنام (1956ــ 1975). وزُوِّدت بالصواريخ لأول مرَّة كطائرة قاذفة، بحرب كوسوفو 1999م.

 تهيمن الولايات المتحدة وإسرائيل على تقنيات صناعتها، وتلحق بهما دول أخرى؛ كروسيا وتركيا والصين وأستراليا والإمارات العربية المتحدة.

 ومن أهم مزاياها كطائرة قاذفة حربية (وليست طائرة قتالية): 

1-تخفيف الخسائر البشرية  لطياري سلاح الجو.

2- ثمنها الرخيص جداً قياساً مع الطائرات الحربية التقليدية التي يبلغ ثمن الواحدة منها عشرات الملايين من الدولارات ..بينما يبدأ سعر الدرونات من 3000 دولار لطائرة الاستطلاع، إلى 30000 دولار للطائرات القاذفة ..ويمكن أن يصل الرقم إلى أعلى من ذلك بكثير، كلما ازدادت التجهيزات التكنولوجية فيها والغاية من استخدامها، كطائرة غلوبال الأمريكية التي أسقطها الحرس الثوري الإيراني فوق مياه الخليج، والتي كاد بسببها أن يشنَّ الرئيس ترامب ضربة عسكرية كبرى ردَّاً على إسقاطها...كما سقطت بالعام 2018 طائرة درون روسية متطورة جداً فوق مياه المتوسط (وقِيل أنَّ سلاح الجو الروسي لا يملك إلا طائرتين منها) بمضادات قوات النظام السوري أثناء غارة إسرائيلية (وقِيل غير ذلك، وليس هذا موضوعنا...)

 3- قياساً مع الطائرات الحربية التقليدية، فإنَّ ثمن الطائرة الرخيص، وعدم حاجتها لمطارات وغرف تحكم وقيادة ورادارات، يتيح لجيوش الدول التي لم تستطع تطوير قدراتها الجوية وبناء سلاح جو فعال، امتلاكَ قدرات جوية جيدة وتقليل فجوة التفوق العسكري مع الدول التي سبقتها بتطوير أساطيلها الجوية.

 ولا تستطيع هذه الطائرات الانتصار بمعركة تقليدية بين جيشين محترفين متعادلي القوى، إنَّما تحقيق امتيازات ونتائج باهرة على صعيد؛ جمع المعلومات الاستخبارية، وتدمير الدبابات والوسائط النارية الأرضية الأخرى، أو مقرات القيادة...

وكان قد طرأ تطور هائل وسريع عليها، فسابقاً كان يحتاج الهدف إلى رصد واستطلاع وتثبيت من طائرة، ثمَّ تقوم طائرة أخرى بتدمير الهدف، أمَّا الأنواع الحديثة منها في الوقت الحالي فقد دمجت تلك التقنيات كلها؛ إذ أصبحت الطائرة نفسها تقوم بالاستطلاع وتثبيت الهدف ثمَّ تدميره...

والمسيرات أنواع؛ منها ما يعود ليهبط في قاعدة إطلاقه، ومنها ما يستعمل مرَّة واحدة، حيث يُفجَّر مع إطلاق ذخائره ولا يعود إلى قاعدة إطلاقه.

 4- يتعذر كشفها بالعين المجردة، أو رادارات الدفاع الجوي المصمَّمة خصيصاً للطائرات الكبيرة.

5- التكلفة الباهظة التي تتطلبها أنظمة الدفاع الجوي لصدِّها، فمثلاً أنظمة "باتريوت" يكلف الصاروخ الواحد منها مليون دولار، في حين قد لا يتجاوز ثمن الدرون الـ 3000 دولار.

 

أدوارها العسكرية في الحروب

برز دورُها الفعال في حرب تشرين 1973 عندما استطاع بواسطتها الجيش الاسرائيلي تدمير 28 طائرة حربية سورية.

وزاد تأثير هذا النوع من الطائرات في حرب لبنان 1982 عندما استطاعت تدمير شبكة الصواريخ السورية سام6 في سهل البقاع اللبناني.

دورها في حرب لبنان أغرى الولايات المتحدة في استعمالها بحرب تحرير الكويت 1991

 وحديثاً، لابدَّ من الإشارة إلى الشهرة الواسعة التي تميزت بها طائرة بيرقدار التركية..

فعند دخول هذه الطائرة إلى الحرب الليبية، وقد كان المشير حفتر داخل أحياء طرابلس الجنوبية وكان قاب قوسين أو أدنى من حسم الحرب واحتلال العاصمة، تمكنت المسيرة التركية من قلب موازين المعركة؛ حيث دمَّرت حظائر الطائرات المسيرة التي تمتلكها قوات حفتر وسائر المواقع العسكرية الأخرى، ممَّا أدَّى إلى إصابة قواته بالشلل واندحرت بشكل سريع إلى الشرق الليبي، وتوقفت المعارك على جبهة سيرت...النصر هذا تم تحقيقُ جزءٍ مهمٍّ منه  بفضل فعالية وكفاءة هذا النوع من الأسلحة..

ولم يطل الأمر كثيراً، فبعد أشهر طلبت حكومة أذربيجان هذا النوع من الطائرات؛ لاستخدامها بحربها ضدَّ أرمينيا التي تحتل إقليم ناغوني كاراباخ منذ أكثر من ثلاثين سنة ..وتم تدمير عتاد روسي كان بحوزة الجيش الأرميني بما قيمته 2 مليار دولار، ودُحِرت القوات الأرمينية خارج الإقليم بسرعة مذهلة.

ولا بدَّ لنا من المرور سريعاً على استخدام مسيرة البيرقدار في الحرب التي كانت تدور رحاها بإدلب، إثر الهجوم الروسي المدعوم من قوات النظام والميليشيات الإيرانية، وإثر استهداف جنود أتراك حيث قتل أكثر من 30 عسكرياً منهم.. قامت البيرقدار التركية بشن حملة عنيفة خلال 36 ساعة، فتمَّ تدمير منظومتي دفاع جوي روسيتين أثناء عملهما وتدمير آليات وقوات أرضية للنظام السوري وحزب الله وبقية الميليشيات؛ الأمر الذي كبح الهجوم والطموح الروسي لاحتلال إدلب، وأدَّى لتوقيع اتفاق 5 آذار 2020 في سوتشي.

 وحديثاً، عدد من الدول اشترت هذا النوعَ من الطائرات التركية منها؛ أوكرانيا، وبولونيا، وبعض دول الناتو بموافقة أمريكية وامتعاض روسي.

 

الدرونات سلاح فعال بيد الجماعات الإرهابية وضدَّهم أيضاً

 

أول عملية اغتيال جرى الإعلان عنها استهداف الملا عمر، زعيم حركة طالبان، بغارة درون أمريكية في تشرين أول 2001 ولكنه نجى منها ..أعقبها استهداف الولايات المتحدة لقتل عدد من أمراء القاعدة في اليمن والصومال، وكانت العملية الكبرى التي نفذتها الدرونات الأمريكية في 3 كانون ثاني 2020 وقتلت فيها قاسم سليماني (قائد ما يسمَّى فيلق القدس، والمسؤول الأول عن المجازر في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وغيرها...) وأبا مهدي المهندس المسؤول الأول بالحشد الشعبي(الشيعي) العراقي، إثر خروجهما من مطار بغداد قادمين من دمشق.

 ولكن الجماعات الإرهابية ــ كالجماعات التابعة مباشرة للحرس الثوري؛ كحزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، وميليشيات الحوثي ــ زودتهم إيران بهذه التقنية ...

وكانت هجمات الحوثي المستمرة على المملكة العربية السعودية والتي توَّجها بهجوم كبير في أيلول 2019 تم خلالها تدمير جزء هام للغاية من منشآت أرامكو.. واستمراره باستهداف المدن والمطارات السعودية (مكة المكرمة، الرياض، جدة، أبها..) إضافة لمنشآت حيوية نفطية على البحر الأحمر..

وقد استخدمت إسرائيل وقوات التحالف في سوريا، الدرونات لقصف أهدافٍ ومنشآت ومستودعات صواريخ وشاحنات تنقل أسلحة، وأحياناً ناقلات نفط وسفن تجارية إيرانية ..وكان الطيران المسيَّر أداة فعالة للتقليل من فعالية التموضعات الإيرانية في سوريا وفعاليتها، ولكن بالمقابل قامت الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني بأكثر من 6 هجمات استهدفت مراكز ومواقع أمريكية في العراق وسوريا وأربيل، في تطور اعتبر نقلة نوعية عن استخدام صواريخ الكاتيوشيا البدائية. كل ذلك يجري لإرسال رسائل إيرانية لإدارة الرئيس بايدن، ترافق تعثر المفاوضات النووية في فيينا.

 ويعتبر سلاح الطائرات المسيرة سلاحَ القرن الواحد والعشرين؛ فبعد أن كانت 60 دولة تزود جيوشها به في عام 2010  أضحى العدد في عام 2020 أكثر من 120 دولة تمتلك هذا السلاح. والتسابق المحموم جارٍ بين الدول المصنعة له لتطويره؛ إذ يتم تطوير درونات مضادة للأهداف البحرية والغواصات، ويجري تطوير درونات بحرية أيضاً. ويتم الحديث الآن ليس عن اكتفاء الدرونات بمهمة الطائرات القاذفة، بل المقاتلة أيضاً.

ومجالات التطوير يقصد بها؛ زيادة ساعات الطيران، وزيادة الحمولة من المتفجرات، وزيادة التحليق إلى علو أكثر ...إنه سلاح القرن الواحد والعشرين.