د. باسل معراوي
لم يكن أشد المتفائلين بتنفيذ الإدارة الديمقراطية- لما كان متوقعاً منها بالتفاوض على اتفاق نووي جديد - يتوقع إنجاز خمس جولات في فيينا، قبل انقضاء الشهر الخامس من ولاية الرئيس بايدن ..تم تجاوز الإجراءات الشكلية وقبلت الولايات المتحدة التفاوض غير المباشر مع إيران، وأرسلت الكثير من الإشارات الإيجابية حول سعيها لإنجاز الاتفاق، بجملة إجراءات بدأتها برفع اسم تنظيم الحوثي من قوائم الإرهاب، وإيقاف الدعم العسكري للتحالف العربي في اليمن..تلاه سحب بعض بطاريات صواريخ باتريوت من المملكة العربية السعودية، وتشجيع اتصالات سرية برعاية أممية مع الحوثي لإنهاء ملف الحرب، وعدم الاعتراض على إقدام المملكة العربية السعودية على فتح اتصالات مباشرة مع إيران في بغداد.
وكان واضحاً الاعتراض الأمريكي على تصرف نتنياهو بضربه لمفاعل "نطنز" وغيره من المنشآت الحيوية الإيرانية، وزجره وتعنيفه على ذلك، وإفهامه أنَّ تصرفه هذا قد يؤدي لإعاقة إنضاج الاتفاق العتيد مع إيران.
وكان بادياً أيضاً أنَّ الأمريكان خضعوا لبعض الشروط الإيرانية، وأهمها فصل الملفات عن بعضها؛ بحيث لم توافق إيران على إدراج وربط ملفها الصاروخي وملف زعزعة استقرار الجوار والتمدد الإقليمي في المنطقة..بالمفاوضات الجارية لإنجاح اتفاق نووي جديد...وكانت النبرة الإيرانية تتصاعد كلما كانت هناك ليونة أمريكية في فيينا.
استنتج أغلب المراقبين أنَّ من يعيق التوصل للاتفاق بشكله النهائي هم الإيرانيون أنفسهم وليس الأمريكان؛ وذلك لعدم نسب الإنجاز للثنائي الإصلاحي (ظريف-خاتمي) اللذَيْن أنجزا اتفاق 2015 القديم وتركا الإنجاز السياسي لمابعد تسلم الرئيس المحافظ الجديد "علي رئيسي"..حيث من المتوقع وصول عشرات المليارات من الدولارات المحجوزة بفعل العقوبات، وعودة تصدير النفط الإيراني مجدَّداً دون قيود..وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على قيمة العملة الوطنية المتدهورة الآن لمستويات قياسية، وانتعاش متوقع للاقتصاد الداخلي والميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري
حاول الإيرانيون في شهر آذار الماضي اختبار إدارة بايدن أولاً، والضغط على وفود التفاوض في فيينا ثانياً، عبر قصف بصواريخ لمطار في أربيل يضم جنوداً أمريكيين، فجاء الرد الأمريكي على تلك الضربة (الأولى بعهد بايدن) ردَّاً ناعماً خجولاً ومحدوداً باستهداف منشأة للميليشيات العراقية في البوكمال السورية.
فهم الإيرانيون أنَّ الأمريكان جادون بعدم تعكير أجواء فيينا بهذا الرد؛ ممَّا يعكس رغبتهم بالتوصل للاتفاق بأسرع وقت والانتهاء من هذا الملف الشرق أوسطي، والتفرغ لملفات أخرى، أهمها كما يقال "الخطر الصيني".
بانتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات في فيينا، عادت الوفود إلى بلدانها. ولاتخاذ قرارات هامة قبل بدء الجولة السادسة، والتي من المتوقع اختتامها بالوصول للصيغة النهائية للاتفاق، قيل يومها:
لايمكن أن نقول إنه يوجد انسداد بالاتفاق، بل أقرب مايكون للاستعصاء..
تجيد إيران استخدام الرسائل السياسية عبر أذرعها المنتشرة في المنطقة، بالعراق خصوصاً، إذ تمَّ إجراء الاستعراض العسكري الكبير للحشد الشعبي (الشيعي) العراقي بشوارع بغداد...وفي اليوم الثاني تم استهداف القواعد الأمريكية بشكل مختلف لم يكن كما في المرات السابقة التي كانت تعتمد على صواريخ الكاتيوشا بجوار المنشآت الامريكية، (حتى بالرد المزعوم على قتل سليماني والمهندس، تم استهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بالعراق بصواريخ، بعد إخبار الجنود الأمريكان قبل بدء رشقة القصف السابقة).
الهجوم الأخير على القاعدة الأمريكية تمَّ بخمس طائرات مسيَّرة مذخَّرة ومتطورة ومن صناعة إيرانية ..وتمَّ استهداف مخازن مهمة للقوات الأمريكية، لكن دون وقوع قتلى أو إصابات بصفوف الجنود أو حتى المتعاقدين المدنيين مع الجيش الأمريكي.
كانت الغاية، الضغط على سيد البيت الأبيض واختباره جدياً.
بعد القمم الأمريكية الأخيرة في أوربا، وعشية الاجتماع الموسع في روما ل81 دولة ضمن التحالف لمحاربة داعش، وعلى هامشه القمة الوزارية المخصصة للشأن السوري...وقبل انطلاق الجولة السادسة الحاسمة لمفاوضات فيينا...جاء الرد الأمريكي مناسباً وليس خجولاً هذه المرة؛ باستهداف ثلاثة مواقع للحشد الشيعي العراقي؛ واحد في العراق واثنان داخل الأراضي السورية بمعبر البوكمال..وتمَّت عبر طائرات الF15 والF16 تسوية المباني بالأرض وقتل العديد من العناصر الميليشياوية، في رسالة أمريكية من بايدن: "لا تختبروا صبر أمريكا"..
ويرى البعض أنَّ المنطقة المستهدفة أيضاً تحظى بأهمية كبرى عند الميليشيات المرتبطة بإيران، حيث يمثل معبر البوكمال نقطة الوصل الجغرافي الهامة للميليشيات، ضمن الهلال الإيراني الواصل للبحر المتوسط..بمعنى أنَّ: الأمريكان غير مستعجلين للانسحاب من سورية والعراق، ويهمهم جداً ضبط النفوذ الإيراني في كلا البلدين، وأنَّه لا تنازلات أكثر ممَّا تم تقديمه باجتماعات فيينا.