حسن النيفي
لقد وقفنا إلى جانب ثورتكم إبان انطلاقتها في آذار 2011، وحشدنا لمعارضاتكم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي والمالي واللوجستي، ولكن في النتيجة نظام الأسد انتصر عليكم، بل سحقكم قتلاً وتشريداً وتهجيراً، وحشر مئات الآلاف منكم في سجونه، عدا عن الذين تمت تصفيتهم في زنازين السجون والفروع الأمنية أو في المجازر التي نفذها النظام في بانياس والتضامن والقصير والعديد من المدن والبلدات السورية، وبعيداً عن قذارة الوسائل والآليات التي استخدمها النظام في حربه عليكم، فإن العبرة في النتائج، والنتيجة الوحيدة الماثلة أمام الجميع هي أن الأسد انتصر، والتاريخ لا يحترم إلا المنتصرين، وإن كان ثمة من خاذل لكم أيها – السوريون - فهو معارضاتكم أولاً وأخيراً، فهي التي تصدّرت المشهد وتوفرت لها من أشكال الدعم ما لم يتوفر لأي معارضة مماثلة في العالم المعاصر، فلا تتوجهوا باللوم علينا – نحن أشقاءكم العرب – وتمطرونا بسرد بكائياتكم ومظلومياتكم فنحن أدرى بتفاصيلها وجميع حيثياتها، ولكن لدينا ما هو أهم، مصالحنا الأمنية، وأمن أنظمتنا حيال ما نواجهه من أخطار هو أهم بكثير من أحلامكم بالتغيير، وحتى من تضحياتكم وجميع تداعيات مأساتكم، فبالتالي لسنا نحن من دفعنا بكم للانتفاضة على حاكمكم ولا يجوز لنا بكل المقاييس والمعايير أن نتدخّل في الشؤون الداخلية لدول الغير، سواء أكانت عربية أم غير عربية.
بشار الأسد لم يخذلكم بل واجهكم وجهر بما يريد فعله بكل وضوح، ولديه حلفاء صدقوا عهدهم معه ولم يتخلّوا عنه على امتداد اثنتي عشرة سنة خلت، بل إنه يدين لهم ببقائه في السلطة حتى الآن، ولا نحتاج لمزيد من التفكير والشرح لنعترف للعالم أجمع أن نظام الأسد لولا التدخل الروسي المباشر لسقط منذ أواخر العام 2015، أما أنتم أيها السوريون المغلوب على أمركم فقد ابتليتم بمعارضة لا هي استطاعت أن تدحر الأسد عسكرياً، ولا أفلحت في الاحتفاظ بأصدقاء كثر كانوا في الأمس القريب من أشدّ المنحازين لثورتكم، وانتهت إلى حالة ارتهان بالمطلق – سياسياً وعسكرياً - للأطراف الخارجية، واليوم إننا إذ ما نزال نرى قبح نظام الأسد ماثلاً أمامنا ولم يتغيّر من أمره شيء، إلّا أننا في الوقت ذاته لا نرى معارضاتكم أقلّ قبحاً، وفي حسابات المصالح ومعايير الربح والخسارة فإن رجوعنا إلى القبيح الأول لهو أجدى لنا من نظيره في القبح في الطرف الآخر المعارض، إذ ما يزال بشار الأسد – على الأقل – هو الرئيس الشرعي للبلاد وهذا ما تقر وتعترف به جميع المرجعيات الدولية والقانونية، فاذهبوا واقتلعوا شوككم بيديكم وكفّوا عن اللوم والنواح.
هذا باختصار شديد فحوى ما تسوقه الدول العربية اللاهفة تجاه الأسد من مبررات لهفتها وعودتها إليه، وهو في حقيقته لا ينطوي على أي جديد، بل كان هذا لسان حال جميع الحكومات العربية التي وجدت أن ماهيّتها القيمية وبنيتها التكوينية هي إلى الأسد أقرب من كفاح الشعوب وسعيها للتحرر من الظلم والعبودية.
ربما ليس لدى المواطنين السوريين من ضحايا الأسد أو مناهضيه، سواء في داخل البلاد أو خارجها، الكثير مما يمكن قوله، لأنهم هم وحدهم من يعيش مأساة استمرار بقاء الأسد، وهم وحدهم من يسكن في المخيمات وهم من فقدوا أبناءهم وتشردوا من بيوتهم وركبوا البحار وباتوا لاجئين في جميع أصقاع العالم، وهم وحدهم – كذلك - من يشعر أن فداحة الوجع والخذلان الذي تُضمره تبريرات الأشقاء العرب لا تقلّ وجعاً عن مأساتهم الكامنة في استمرار نظام الإبادة الأسدي في التسلّط على رقابهم، ولكن ثمة مسألة لا بدّ من الجهر بها عالياً ولا بدّ من أن تبقى ترنّ في أسماع الحكومات العربية وقياداتها ونخبها الذين وجدوا في سوء المعارضات السورية ضالتهم ومنجماً يستمدون منه مبررات لهاثهم نحو قلب الأسد النابض بالإجرام، وتتمثل تلك المسألة في أن الشعب السوري برمته لم يكن له أي دور في اختيار أو تصنيع تلك المعارضات، بل هي مُنتَج خارجي إقليمي ودولي، بل إن الدول التي باتت تعيّر السوريين بمعارضاتهم هي ذاتها من صنّع تلك المعارضة بكل أجنحتها السياسية والعسكرية، وهي ذاتها من فرضها على السوريين عنوةً، وهي ذاتها كذلك من صمّم لها أدوارها وساقها قطيعاً تلو القطيع، تارةً نحو جنيف وتارةً نحو أستانا، وأخرى نحو سوتشي، بل إن نشأة هذه الكيانات المعارِضة في الأصل كانت نتيجة لمبادرات خارجية تلبي مصالح الخارج ولم تكن منبثقة من إرادة وطنية سورية.
ألم تكن المملكة العربية السعودية هي صاحبة الوصاية عليه، وهل كان زهران علوش يستطيع التحرك شبراً واحداً أو أن يوجه طلقة واحدة بعيداً عن أصحاب الوصاية عليه
من صاحب فكرة حل المجلس الوطني وتشكيل الائتلاف؟ ومن الذي اختار قيادات الائتلاف وأعضاءه على مدى أكثر من عشر سنوات؟ هل هم السوريون؟ ومن استضاف وأشرف على مؤتمر (الرياض واحد واثنان)، وأدخل منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض بالتنسيق مع الروس؟ ثم من اختار قيادات وأعضاء هيئة التفاوض، وكذلك من قام باختيار وتعيين اللجنة الدستورية؟ وهذه الدول هي ذاتها من كان لها فصائل وجيوش وأذرع عسكرية داخل سوريا، تمولها وتتحكم بأدق تحركاتها، وتوجهها كما تشاء، ألم يكن جيش الإسلام هو القوة الضاربة في الريف الدمشقي؟ ألم تكن المملكة العربية السعودية هي صاحبة الوصاية عليه، وهل كان زهران علوش يستطيع التحرك شبراً واحداً أو أن يوجه طلقة واحدة بعيداً عن أصحاب الوصاية عليه، ثم لماذا اقتصرت عنجهيّة وتسلط جيش الإسلام على مواطني الغوطة فقط، وبرع في عمليات اختطاف الناشطين وابتزاز المواطنين، في حين أنه امتنع عن الدخول إلى دمشق وتحويل المواجهة مع النظام إلى حالة من العصيان المدني؟ ولم تكن تنقصه كل مقوّمات المعركة، ثم من هي الجهة التي كانت وراء قوة (فيلق الرحمن) في الريف الدمشقي أيضاً؟ ومن أنشأ ودعم لواء التوحيد في الشمال السوري؟ ومن كان وراء أحرار الشام وجبهة النصرة ووووو؟ ألم تكن هي الأطراف العربية التي باتت تعيّر السوريين بمعارضاتهم؟
ربما كان مقبولاً من الحكومات العربية الزاحفة نحو نظام دمشق لو أنها تركت قضية الشعب السوري جانباً وعبرت عن رغبتها باحتضان الأسد انسجاماً مع مصالحها السلطوية وتجسيداً لماهيتها المفارقة بالأصل لتطلعات الشعوب، ربما كان صنيعها حينئذٍ أكثر انسجاماً مع سياساتها المعهودة، لكن أن تستر مسعاها بفجائع السوريين وتجعل من عودة القاتل إلى أحضانها شرطاً لحصانة الأمن القومي العربي وباعثاً لنهضة العرب واستعادة تضامنهم، فتلك جريمة أخرى ليس بحق السوريين فحسب، بل بحق الإنسانية.
المصدر: تلفزيون سوريا